للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«يجرمنكم» بضم الياء والمعنى أيضا لا يكسبنكم وأما قول الشاعر:

ولقد طعنت أبا عيينة طعنة ... جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا

فمعناه كسبت فزارة بعدها الغضب وقد فسر بغير هذا مما هو قريب منه وقوله تعالى: شَنَآنُ قَوْمٍ قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي «شنآن» متحركة النون، وقرأ ابن عامر «شنآن» ساكنة النون، واختلف عن عاصم ونافع، يقال شنئت الرجل شنأ بفتح الشين وشنآنا بفتح النون وشنآنا بسكون النون والفتح أكثر كل ذلك إذا أبغضته، قال سيبويه: كل ما كان من المصادر على فعلان بفتح العين لم يتعد فعله إلا أن يشذ شيء كالشنآن وإنما عدي شنئت من حيث كان أبغضت كما عدي الرفث ب «إلى» من حيث كان بمعنى الإفضاء.

قال القاضي أبو محمد: فأما من قرأ «شنآن» بفتح النون فالأظهر فيه أنه مصدر كأنه قال لا يكسبنكم بغض قوم من أجل أن صدوكم عدوانا عليهم وظلما لهم والمصادر على هذا الوزن كثيرة كالنزوان والغليان والطوفان والجريان وغيره، ويحتمل «الشنان» بفتح النون أن يكون وصفا فيجيء المعنى ولا يكسبنكم بغض قوم أو بغضاء قوم عدوانا ومما جاء على هذا الوزن صفة قولهم: حمار قطوان إذا لم يكن سهل السير وقولهم عدو وصمان أي ثقيل كعدو الشيخ ونحوه إلى غير هذا مما ليس في الكثرة كالمصادر ومنه ما أنشده أبو زيد:

وقبلك ما هاب الرجال ظلامتي ... وفقأت عين الأشوس الأبيان

بفتح الباء وأما من قرأ «شنآن» بسكون النون فيحتمل أن يكون مصدرا وقد جاء المصدر على هذا الوزن في قولهم لويته دينه ليانا، وقول الأحوص:

وإن لام فيه ذو الشنان وفندا إنما هو تخفيف من «شنآن» الذي هو مصدر بسكون النون لأنه حذف الهمزة وألقى حركتها على الساكن هذا هو التخفيف القياسي، قال أبو علي: من زعم أن فعلان إذا أسكنت علينه لم يك مصدرا فقد أخطأ، وتحتمل القراءة بسكون النون أن يكون وصفا فقد حكي: رجل شنآن وامرأة شنآنة وقياس هذا أنه من فعل غير متعد وقد يشتق من لفظ واحد فعل متعد وفعل واقف فيكون المعنى ولا يكسبنكم بغض قوم أو بغضاء قوم عدوانا وإذا قدرت اللفظة مصدرا فهو مصدر مضاف إلى المفعول، ومما جاء وصفا على فعلان ما حكاه سيبويه من قولهم خمصان ومن ذلك قولهم ندمان.

قال القاضي أبو محمد: ومنه رحمان وهذه الآية نزلت عام الفتح حين أراد المؤمنون أن يستطيلوا على قريش وألفافها من القبائل المتظاهرين على صد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عام الحديبية وذلك سنة ست من الهجرة فحصلت بذلك بغضة في قلوب المؤمنين وحسيكة للكفار فقيل للمؤمنين عام الفتح وهو سنة ثمان لا يحملنكم ذلك البغض أو أولئك البغضاء من أجل أن صدوكم على أن تعتدوا عليهم إذ لله فيهم إرادة خير وفي علمه أن منهم من يؤمن كالذي كان، وحكى المهدوي عن قوم أنها نزلت عام الحديبية لأنه لما صد المسلمون عن البيت مر بهم قوم من أهل نجد يريدون البيت فقالوا نصد هؤلاء كما

<<  <  ج: ص:  >  >>