للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القاضي أبو محمد: المعنى والنية فيها تعظيم النصب، قال مجاهد: وكان أهل مكة يبدلون ما شاؤوا من تلك الحجارة إذا وجدوا أعجب إليهم منها، قال ابن زيد: ما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وما أهل به لغير الله شيء واحد.

قال رضي الله عنه: ما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ جزء مما أهل به لغير الله لكن خص بالذكر بعد جنسه لشهرة الأمر وشرف الموضع وتعظيم النفوس له. وقد يقال للصنم أيضا نصب ونصب لأنه ينصب وروي أن الحسن بن أبي الحسن قرأ «وما ذبح على النّصب» بفتح النون وسكون الصاد، وقال على الصنم، وقرأ طلحة ابن مصرف «على النّصب» بضم النون وسكون الصاد، وقرأ عيسى بن عمر «على النّصب» بفتح النون والصاد وروي عنه أنه قرأ بضم النون والصاد كقراءة الجمهور، وقوله تعالى: وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ حرم به تعالى طلب القسم وهو النصيب أو القسم بفتح القاف وهو المصدر بِالْأَزْلامِ وهي سهام واحدها زلم بضم الزاي وبفتحها وأزلام العرب ثلاثة أنواع، منها الثلاثة التي كان يتخذها كل إنسان لنفسه على أحدها افعل والآخر لا تفعل والثالث مهمل لا شيء عليه فيجعلها في خريطة معه، فإذا أراد فعل شيء أدخل يده وهي متشابهة فأخرج أحدها وائتمر وانتهى بحسب ما يخرج له، وإن خرج القدح الذي لا شيء فيه أعاد الضرب، وهذه هي التي ضرب بها سراقة بن مالك بن جعشم حين اتبع النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وقت الهجرة، والنوع الثاني سبعة قداح كانت عند هبل في جوف الكعبة فيها أحكام العرب وما يدور بين الناس من النوازل، في أحدها العقل في أمور الديات، وفي آخر منكم وفي آخر من غيركم وفي آخر ملصق وفي سائرها أحكام المياه وغير ذلك وهي التي ضرب بها على بني عبد المطلب إذ كان نذر هو نحر أحدهم إذا أكملوا عشرة وهو الحديث الطويل الذي في سيرة ابن إسحاق، وهذه السبعة أيضا متخذة عند كل كاهن من كهان العرب وحكامهم على نحو ما كانت في الكعبة عند هبل. والنوع الثالث هو قداح الميسر وهي عشرة سبعة منها فيها خطوط لها بعددها حظوظ، وثلاثة أغفال وكانوا يضربون بها مقامرة ففيها لهو للبطالين ولعب، وكان عقلاؤهم يقصدون بها إطعام المساكين والمعدم في زمن الشتاء وكلب البرد وتعذر التحرف، وكان من العرب من يستقسم بها لنفسه طلب الكسب والمغامرة وقد شرحت أمرها بأوعب من هذا في سورة البقرة في تفسير الميسر، فالاستقسام بهذا كله هو طلب القسم والنصيب وهو من أكل المال بالباطل وهو حرام، وكل مقامرة بحمام أو بنرد أو بشطرنج أو بغير ذلك من هذه الألعاب فهو استقسام بما هو في معنى «الأزلام» حرام كله وقوله تعالى: ذلِكُمْ فِسْقٌ إشارة إلى الاستقسام بِالْأَزْلامِ، والفسق الخروج من مكان محتو جامع يقال فسقت الرطبة خرجت من قشرها والفأرة من جحرها واستعملت اللفظة في الشرع فيمن يخرج من احتواء الأمر الشرعي وجمعه وإحاطته.

وقوله تعالى: الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ معناه عند ابن عباس من أن ترجعوا إلى دينهم وقاله السدي وعطاء، وظاهر أمر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وظهور دينه يقتضي أن يأس الكفار عن الرجوع إلى دينهم قد كان وقع منذ زمان، وإنما هذا اليأس عندي من اضمحلال أمر الإسلام وفساد جمعه لأن هذا أمر كان يترجاه من بقي من الكفار ألا ترى إلى قول أخي صفوان بن أمية في يوم هوازن حين انكشف المسلمون وظنها هزيمة ألا بطل السحر اليوم، إلى غير هذا من الأمثلة، وهذه الآية نزلت في إثر

<<  <  ج: ص:  >  >>