قال القاضي أبو محمد: فقال بعض المفسرين إن الاستثناء في قول الجمهور متصل وفي قول مالك منقطع لأن المعنى عنده «لكن ما ذكيتم» مما تجوز تذكيته فكلوه حتى قال بعضهم إن المعنى إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ من غير هذه فكلوه، وفي هذا عندي نظر، بل الاستثناء على قول مالك متصل لكنه يخالف في الحال التي تصح ذكاة هذه المذكورات، وقال الطبري: إن الاستثناء عند مالك من التحريم لا من المحرمات.
قال القاضي أبو محمد: وفي هذه العبارة تجوز كثير وحينئذ يلتئم المعنى، والذكاة في كلام العرب الذبح، قاله ثعلب، قال ابن سيده: والعرب تقول ذكاة الجنين ذكاة أمه.
قال القاضي أبو محمد: وهذا إنما هو حديث، وذكى الحيوان ذبحه، ومنه قول الشاعر:
يذكيها الأسل
ومما احتج به المالكيون لقول مالك، إن ما تيقن أنه يموت من هذه الحوادث فهو في حكم الميتة أنه لو لم تحرم هذه التي قد تيقن موتها إلا بأن تموت لكان ذكر الميتة أولا يغني عنها فمن حجة المخالف ان قال إنما ذكرت بسبب أن العرب كانت تعتقد أن هذه الحوادث كالذكاة فلو لم يذكر لها غير الميتة لظنت أنها ميتة الوجع حسب ما كانت هي عليه.
قوله تعالى:
وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ ...
قوله: وَما ذُبِحَ عطف على المحرمات المذكورات، والنُّصُبِ جمع واحده نصاب، وقيل هو اسم مفرد وجمعه أنصاب وهي حجارة تنصب كل منها حول الكعبة ثلاثمائة وستون، وكان أهل الجاهلية يعظمونها ويذبحون عليها لآلهتهم ولها أيضا وتلطخ بالدماء وتوضع عليه اللحوم قطعا قطعا ليأكل الناس، قال مجاهد وقتادة وغيرهما: النُّصُبِ حجارة كان أهل الجاهلية يذبحون عليها. وقال ابن عباس:
ويهلون عليها، قال ابن جريج: النُّصُبِ ليس بأصنام الصنم يصور وينقش، وهذه حجارة تنصب.
قال القاضي أبو محمد: وقد كانت للعرب في بلادها أنصاب حجارة يعبدونها ويحكون فيها أنصاب مكة، ومنها الحجر المسمى بسعد وغيره، قال ابن جريج: كانت العرب تذبح بمكة وينضحون بالدم ما أقبل من البيت ويشرحون اللحم ويضعونه على الحجارة.. فلما جاء الإسلام قال المسلمون لرسول الله صلى الله عليه وسلم نحن أحق أن نعظم هذا البيت بهذه الأفعال، فكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكره ذلك فأنزل الله تعالى: لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها [الحج: ٣٧] ونزلت وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ.