بالحجِّ، وأفرد الحجَّ، وخرجنا لا ننوي إلا الحجَّ، وهذا يدلُّ على أنَّ الإحرام وقع أوَّلًا بالحجِّ، ثمَّ جاءه الوحي من ربِّه بالقران، فلبَّى بهما، فسمعه أنس يلبِّي بهما وصدَق، وسمعته عائشة وابن عمر وجابر يلبِّي بالحجِّ وحده أوَّلًا وصدقوا.
قالوا: وبهذا تتَّفق الأحاديث، ويزول عنها الاضطراب.
هذا، وأرباب هذه المقالة لا يجيزون إدخال العمرة على الحجِّ، ويرونه لغوًا، ويقولون: إنَّ ذلك خاصٌّ بالنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - دون غيره.
قالوا: وممَّا يدلُّ على ذلك أنَّ ابن عمر قال: لبَّى بالحجِّ وحده، وأنس قال: أهلَّ بهما جميعًا، وكلاهما صادقانِ، فلا يمكن أن يكون إهلاله بالقران سابقًا على إهلاله بالحجِّ وحده؛ لأنَّه إذا أحرم قارنًا لم يمكن أن يحرِم بعد ذلك بحجٍّ مفردٍ، وينقلَ الإحرام إلى الإفراد، فتعيَّن أنَّه أحرم بالحجِّ مفردًا، فسمعه ابن عمر وعائشة وجابر، فنقلوا ما سمعوه، ثمَّ أدخل عليه العمرة، فأهلَّ بهما جميعًا لمَّا جاءه الوحي من ربِّه، فسمعه أنس يُهِلُّ بهما، فنقل ما سمعه، ثمَّ أخبر عن نفسه بأنَّه قرن، وأخبر عنه من تقدَّم ذِكُره من الصَّحابة بالقران، فاتَّفقت أحاديثهم، وزال عنها الاضطراب والتَّناقض.
قالوا: ويدلُّ عليه قول عائشة: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:«من أراد منكم أن يُهِلَّ بحجٍّ وعمرةٍ فليفعل، ومن أراد أن يهلَّ بحجٍّ فليهلَّ، ومن أراد أن يهلَّ بعمرةٍ فليهلَّ». قالت عائشة: فأهلَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحجٍّ، وأهلَّ به ناسٌ معه. فهذا يدلُّ على أنَّه كان مفردًا في ابتداء إحرامه، فعلم أنَّ قِرانه كان بعد ذلك.