للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ومنع أهل العراق من أكله إلا أن يدركه حيًّا، فيذكِّيه (١). وأوَّلوا الحديث على أنَّ المراد به أنَّ ذكاته كذكاة أمِّه. قالوا: فهو حجَّةٌ على التَّحريم. وهذا فاسدٌ فإنَّ أوَّل الحديث أنَّهم سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: يا رسولَ الله، نذبح الشَّاة فنجد في بطنها جنينًا، أفنأكله؟ فقال: «كلوه إن شئتم، فإنَّ ذكاته ذكاة أمِّه».

وأيضًا، فالقياس يقتضي حلَّه، فإنَّه ما دام حَمْلًا فهو جزءٌ من أجزاء الأمِّ فذكاتها ذكاةٌ لجميع أجزائها. وهذا هو الذي أشار إليه صاحب الشَّرع بقوله: «ذكاته ذكاة أمِّه»، كما تكون ذكاتها ذكاة سائر أجزائها. فلو لم تأت عنه السُّنَّة الصَّريحة بأكله لكان القياس الصَّحيح يقتضي حِلَّه. وبالله التوفيق.

لحم القديد (٢): في السُّنن (٣) من حديث [ثوبان] (٤) قال: ذبحت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - شاةً، ونحن مسافرون، فقال: «أصلِحْ لحمها». فلم أزل أُطعِمُه منه إلى المدينة.

القديد أنفع من المكسود (٥)، ويقوِّي الأبدان، ويُحدِث حكَّةً. ودفعُ


(١) انظر: «شرح مختصر الطحاوي» للجصاص (٧/ ٢٦١ - ٢٧٠).
(٢) «لقط المنافع» (١/ ٣٤٤) ما عدا الحديث.
(٣) «سنن أبي داود» (٢٨١٤)، «سنن النَّسائيِّ الكبرى» (٤١٤٢)، ولفظه: ضحَّى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ثمَّ قال: «يا ثوبان، أصلِح لنا لحمَ هذه الشَّاة»، قال: فما زِلتُ أطعمُه منها حتَّى قدمَ المدينةَ. وأخرجه أيضًا مسلم (١٩٧٥).
(٤) في الأصل وغيره هنا بياض. وفي ن: «بلال» وكذا في النسخ المطبوعة إلا طبعة الرسالة التي أثبتت: «ثوبان» دون تنبيه.
(٥) سبق تفسيره في فصل العدس. وقد غيَّرته طبعة الرسالة هنا أيضًا إلى «النَّمكسود»، وهو أصل اللفظ المعرَّب. والقديد هو اللحم المجفَّف المشرَّح. قاله ابن جزلة في «المنهاج» (ص ٦٤٣).