للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال بديل: سأبلغهم ما تقول، فانطلق حتى أتى قريشًا فقال: إني قد جئتكم من عند هذا الرجل وسمعته يقول قولًا فإن شئتم عرضته عليكم، فقالت سفهاؤهم: لا حاجة لنا أن تحدِّثنا عنه بشيء، وقال ذوو الرأي منهم: هات ما سمعتَه يقول، قال: سمعته يقول كذا وكذا، فقال عروة بن مسعود الثقفي: إن هذا قد عرض عليكم خُطَّة رشدٍ فاقبلوها ودعوني آته، فقالوا: ائته، فأتاه فجعل يكلمه، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوًا من قوله لبديل، فقال عروة عند ذلك: أَيْ محمد أرأيت لو استأصلتَ قومَك هل سمعت بأحدٍ من العرب اجتاح أصلَه (١) قبلك؟ وإن تكن الأخرى فوالله إني لأرى وجوهًا وأرى أوشابًا من الناس خُلَقاء أن يفرُّوا ويدعوك. فقال أبو بكر: امصص بَضْرَ (٢) اللات أنحن نفر عنه وندعه؟! قال: من ذا؟ قال: «أبو بكر»، قال: أما والذي نفسي بيده لولا يدٌ كانت لك عندي لم أَجزِك بها لأجبتك، وجعل يكلم النبي - صلى الله عليه وسلم - وكلمَّا كلَّمه أخذ بلحيته، والمغيرةُ بن شعبة عند رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه السيف وعليه المِغْفَر، فكلما أهوى عروةُ إلى لحية النبي - صلى الله عليه وسلم - ضرب يده بنعل السيف وقال: أَخِّرْ يدك عن لحية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! فرفع عروة رأسه وقال: من ذا؟ قالوا: المغيرة بن شعبة.

فقال: أي غُدَر! أولستُ أسعى في غَدرتك؟! وكان المغيرة صحب قومًا في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ثم


(١) المطبوع: «أهله» خلافًا للأصول وإن كان موافقًا لبعض نسخ «صحيح البخاري» ولمطبوعة: «معجم الطبراني»، والمثبت من الأصول موافق لنسخة أبي ذر للصحيح ولسائر مصادر التخريج. انظر: «صحيح البخاري» الطبعة السلطانية (٣/ ١٩٤) و «إرشاد الساري» (٤/ ٤٤٦).
(٢) كذا في الأصول بالضاد، وهي لغة في البظر. انظر: «تهذيب اللغة» (١٢/ ٣٠، ١٤/ ٣٧٨) و «تاج العروس» (٧/ ١٨٨ - نظح).