للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تخصيصه وتفضيله. نعم، هو معطي ذلك المرجِّح وواهبه، فهو الذي خلقه، ثم اختاره بعد خلقه، {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص: ٦٨].

ومن هذا: تفضيله بعض الأيام والشهور على بعض، فخير الأيام عنده يوم النحر، وهو يوم الحج الأكبر، كما في «السنن» (١) عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «أفضل الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القَرِّ (٢)». وقيل: يوم عرفة أفضل منه. وهذا هو المعروف عند أصحاب الشافعي، قالوا: لأنه يوم الحج الأكبر، وصيامه يكفِّر (٣) سنتين، وما من يوم يُعتِق الله فيه الرقاب أكثر منه في يوم عرفة، ولأن الله سبحانه يدنو فيه، ثم يباهي ملائكته بأهل الموقف. والصواب القول الأول، لأن الحديث الدال على ذلك لا يعارضه شيء يقاومه.

والصواب أن يوم الحج الأكبر يوم النحر، لقوله تعالى: {(٢) وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ} [التوبة: ٣]. وثبت في «الصحيحين» (٤) أن أبا بكر وعليًّا أذَّنا بذلك يوم النحر، لا يوم عرفة. وفي «سنن أبي داود» (٥)


(١) أبو داود (١٧٦٥) والنسائي في «الكبرى» (٤٠٨٣) من حديث عبد الله بن قرط، وأخرجه أحمد (١٩٠٧٥) والبخاري في «التاريخ الكبير» (٥/ ٣٤). صححه ابن خزيمة (٢٨٦٦) وابن حبان (٢٨١١) والحاكم (٤/ ٢٤٦).
(٢) ص، ق، ع، مب، ن: «النفر». وفي (ك): «العشر». وكلاهما تصحيفُ ما أثبت من ج، وقد أصلح بعضهم ما كان فيها ثم جوَّده في الحاشية وفسَّره بأنه اليوم الذي بعد يوم النحر.
(٣) ق، مب، ن: «مكفّر»، وأشير إلى هذه النسخة في حاشية ع.
(٤) البخاري (٤٦٥٦) ومسلم (١٣٤٧).
(٥) برقم (١٩٤٥) من حديث عبد الله بن عمر، وأخرجه ابن ماجه (٣٠٥٨) وأبو عوانة (٣٥٥٥). علقه البخاري في «صحيحه» عقب (١٧٤٢) بصيغة الجزم، وصححه الحاكم (٢/ ٣٣٢). وأما قول المؤلف: «بأصحّ إسناد» ففيه نوع من التجوُّز.