للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيها: أن الرجل لا يجوز له أن ينتفع بالضالَّة التي لا يجوز التقاطُها كالإبل، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يُجوِّز للجارود ركوبَ الإبل الضالة وقال: «ضالة المسلم حَرَق النار»، وذلك لأنه إنما أُمِر بتركها وأن لا يلتقطها حفظًا على ربِّها حتى يجدها إذا طلبها، فلو جوز له ركوبها والانتفاع بها لأفضى إلى أن لا يقدر عليها ربها، وأيضًا تطمع فيها النفوس وتتملَّكها فمنع الشارع من ذلك.

فصل

في قدوم وفد بني حنيفة

قال ابن إسحاق (١): قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفد بني حنيفة فيهم مسيلمة الكذاب، فكان منزلهم في دار امرأةٍ من الأنصار من بني النجار، فأتوا بمسيلمة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستتر (٢) بالثياب ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس مع أصحابه في يده عسيب من سَعَف النخل، فلما انتهى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم يسترونه بالثياب كلَّمه وسأله، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لو سألتَني هذا العسيب الذي في يدي ما أعطيتك!» (٣).

قال ابن إسحاق: فقال لي شيخ من أهل اليمامة من بني حنيفة: إن حديثه كان على غير هذا؛ زعم أن وفد بني حنيفة أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلَّفوا مسيلمة في رحالهم، فلما أسلموا ذكروا له مكانه فقالوا: يا رسول الله، إنا قد خلَّفنا صاحبًا لنا في رحالنا وركابنا يحفظها لنا، فأمر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما أمر


(١) «سيرة ابن هشام» (٢/ ٥٧٦) و «دلائل النبوة» (٥/ ٣٣٠).
(٢) س، ث: «يستر». ب: «مستتر». في «الدلائل»: «يسترونه».
(٣) له شاهد من حديث ابن عباس في «الصحيحين» بنحوه، وسيذكره المؤلف قريبًا.