للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

ثم مرّ في مسيره ذلك حتى نزل (١) بخيمتَي أمِّ معبد الخزاعية، وكانت امرأةً برزةً جلدةً تحتبي بفناء الخيمة ثم تُطعم وتَسقي من مرَّ بها، فسألاها هل عندها شيء؟ فقالت: واللهِ لو كان عندنا شيء ما أَعْوَزَكم القِرَى، والشاء عازب ــ وكانت سنةً شَهباء (٢) ــ، فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى شاةٍ في كسر الخيمة، فقال: «ما هذه الشاة يا أم معبد؟» قالت: شاة خلَّفها الجهد عن الغنم، فقال: «هل بها من لبن؟» قالت: هي أجهد من ذلك، قال: «أتأذنين لي أن أحلُبها؟» قالت: نعم بأبي وأمي، إن رأيت بها حَلَبًا فاحلُبْها، فمسح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده ضرعها وسمَّى الله ودعا فتفاجَّت عليه ودَرَّت، فدعا بإناءٍ لها يُرْبِض الرَّهط (٣)، فحلب فيه حتى علته الرَّغوة، فسقاها فشربت حتى رويت، وسقى أصحابَه حتى رووا ثم شرب، وحلب فيه ثانيًا حتى ملأ الإناء ثم غادره عندها وارتحلوا.

فقلَّما لبثت أن جاء زوجُها أبو معبد يسوق أعنُزًا عِجافًا يتساوكن هزلًا، فلما رأى اللبن عَجِب وقال: من أين لك هذا والشاءُ عازب، ولا حلوبة في البيت؟ فقالت: لا والله، إلا أنه مرَّ بنا رجل مبارك كان من حديثه كَيت وكَيت، من حاله كذا وكذا، قال: والله إني لأراه صاحبَ قريشٍ الذي تطلبه، صِفِيه لي يا أم معبد، قالت: ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، حسن الخلق، لم


(١) م، ق، ب، ث: «مرّ».
(٢) و «الشاء عازب» أي في مرعًى بعيدٍ لكونها سنةً شهباء، أي سنةَ جدبٍ وقحط.
(٣) في هامش ص: «قوله: يربض الرهط، أي يرويهم حتى يناموا ويمتدّوا على الأرض» اهـ. انظر: «النهاية» (ربض).