للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مع ما في ترك ذلك من الرَّحمة بأمَّته والرَّأفة بهم، فإنَّه لو اعتمر في رمضان لبادرت الأمَّة إلى ذلك، وكان يشقُّ عليها الجمع بين العمرة والصَّوم, وربَّما لا تسمح أكثر النُّفوس بالفطر في هذه العبادة حرصًا على تحصيل العمرة وصوم رمضان، فتحصل المشقَّة، فأخَّرها إلى أشهر الحجِّ. وقد كان يترك كثيرًا من العمل وهو يحبُّ أن يعمله خشيةَ المشقَّة عليهم. ولمَّا دخل البيت خرج منه حزينًا، فقالت له عائشة في ذلك، فقال: «أخاف أن أكون قد شَقَقْتُ على أمَّتي» (١). وهَمَّ أن ينزِل يستقي مع سُقاة زمزم للحاجِّ، فخاف أن يُغلَب أهلُها على سِقايتهم بعده (٢). والله أعلم.

فصل

ولم يُحفَظ (٣) عنه - صلى الله عليه وسلم - أنَّه اعتمر في السَّنة إلا مرَّةً واحدةً، ولم يعتمر في سنةٍ مرَّتين. وقد ظنَّ بعض النَّاس أنَّه اعتمر في سنةٍ مرَّتين، واحتجَّ بما رواه أبو داود في «سننه» (٤) عن عائشة أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعتمر عمرتين: عمرةً في ذي القعدة، وعمرةً في شوَّالٍ. قالوا: وليس المراد بهذا ذكر مجموع ما اعتمره، فإنَّ عائشة وأنسًا وابن عبَّاسٍ وغيرهم قد قالوا: إنَّه اعتمر أربع عمرٍ، فعُلِم أنَّ مرادها به أنَّه اعتمر في سنةٍ مرَّتين: مرَّةً في ذي القعدة، ومرَّةً في شوَّالٍ،


(١) رواه أبو داود (٢٠٢٩) والترمذي (٨٧٣) وابن ماجه (٣٠٦٤) من حديث عائشة - رضي الله عنها -.، وفي إسناده إسماعيل بن عبد الملك متكلم فيه. انظر: «السلسلة الضعيفة» (٣٣٤٦) و «ضعيف أبي داود - الأم» (٢/ ١٩٤).
(٢) رواه مسلم (١٢١٨/ ١٤٧) من حديث جابر - رضي الله عنه -.
(٣) ص: «يخفض»، تحريف.
(٤) تقدم تخريجه قريبًا.