للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قامتْ فشهِدتْ».

ولأنَّه إذا قام شاهدَه الحاضرون، فكان أبلغَ في شهرته، وأوقعَ في النُّفوس. وفيه سرٌّ آخر، وهو أنَّ الدَّعوة التي تُطلَب إصابتُها إذا صادفت المدعوَّ عليه قائمًا نفذتْ فيه، ولهذا لمَّا دعا خُبيبٌ على المشركين حين صلبوه أخذ أبو سفيان معاويةَ فأضجعه، وكانوا يرون أنَّ الرَّجل إذا لَطِئَ بالأرض (١) زلَّت عنه الدَّعوة (٢).

فصل

ومنها: البُداءة بالرَّجل في اللِّعان، كما بدأ الله ورسوله به (٣)، فلو بدأتْ هي لم يُعتَدَّ بلعانها عند الجمهور، واعتدَّ به أبو حنيفة. وقد بدأ الله سبحانه في الحدِّ بذكر المرأة فقال: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: ٢]، وفي اللِّعان بذكر الزَّوج، وهذا في غاية المناسبة؛ لأنَّ الزِّنا من المرأة أقبح منه من الرجل (٤)، لأنَّها تزيد على هَتْك حقِّ الله إفسادَ فراش بَعْلها، وتعليقَ نسبٍ من غيره عليه، وفضيحةَ أهلها وأقاربها، والجنايةَ على محض حقِّ الزَّوج، وخيانتَه فيه، وإسقاطَ حرمته عند النَّاس، وتعييرَه بإمساك البغيِّ، وغيرَ ذلك من مفاسد زناها، فكانت البُداءة بها في الحدِّ أهمَّ. وأمَّا اللِّعان فالزَّوج هو الذي قذفَها وعرَّضها للِّعان، وهتَكَ عِرضَها، ورماها بالعظيمة، وفضحَها


(١) أي التصق بها.
(٢) انظر: «سيرة ابن هشام» (٢/ ١٧٣)، و «المغازي» للواقدي (١/ ٣٥٩).
(٣) «به» ليست في د، ص، ب.
(٤) في المطبوع: «بالرجل» خلاف النسخ.