للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عَنْبَر: تقدَّم (١) في «الصَّحيحين» (٢) حديثُ جابر في قصَّة أبي عبيدة وأكلهم من العنبر شهرًا، وأنَّهم تزوَّدوا من لحمه وشائقَ (٣) إلى المدينة، وأرسلوا منه إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وهو أحد ما يدلُّ على أنَّ إباحة ما في البحر لا يختصُّ بالسَّمك وعلى أنَّ ميتته حلال. واعتُرض على ذلك بأنَّ البحر ألقاه حيًّا، ثمَّ جَزَر عنه الماءُ، فمات. وهذا حلال، فإنَّ موته بسبب مفارقته للماء (٤). وهذا لا يصحُّ، فإنَّهم إنَّما وجدوه ميِّتًا بالسَّاحل، ولم يشاهدوه قد خرج حيًّا ثمَّ جزَر عنه الماء.

وأيضًا، فلو كان حيًّا لما ألقاه البحر إلى ساحله، فإنَّه من المعلوم أنَّ البحر إنَّما يقذف إلى ساحله الميِّت من حيواناته، لا الحيَّ منها.

وأيضًا، فلو قدِّر احتمال ما ذكروه لم يجُز أن يكون شرطًا في الإباحة، فإنَّه لا يباح الشَّيء مع الشَّكِّ في سبب إباحته. ولهذا منع النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - من أكل الصَّيد إذا وجده الصَّائد غريقًا في الماء، للشَّكِّ في سبب موته هل هو الآلة أو الماء؟

وأمَّا العنبر الذي هو أحد أنواع الطِّيب، فهو من أفخر أنواعه بعد المسك. وأخطأ من قدَّمه على المسك، وجعله سيِّد أنواع الطِّيب (٥). وقد


(١) حط: «قد تقدم». يعني: في الكلام على المغازي والسرايا.
(٢) البخاري (٤٣٦١) ومسلم (١٩٣٥).
(٣) الوشيقة: ما قُطع من اللحم ليقدَّد.
(٤) س: «الماء».
(٥) يشير إلى قول الحموي فيه: «جوهر الطيب وسيِّده». وهو قول ابن جلجل، انظر: «الجامع» لابن البيطار (٣/ ١٣٤).