للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما قوله تعالى في سورة النجم: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} [النجم: ٨]، فهو غير الدنوّ والتدلّي في قصة الإسراء، فإن الذي في سورة النجم هو دنوّ جبريل وتدليه كما قالت عائشة وابن مسعود، والسياق يدل عليه فإنه قال: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} وهو جبريل {ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (٦) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (٧) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} [النجم: ٥ - ٨]، فالضمائر كلها راجعة إلى هذا المُعلِّم الشديد القُوى، وهو ذو المرة أي: القوة، وهو الذي استوى بالأفق الأعلى، وهو الذي دنا فتدلّى فكان من محمد - صلى الله عليه وسلم - قاب (١) قوسين أو أدنى.

وأما الدنو والتدلي الذي في حديث الإسراء فذلك صريح في أنه دنو الرب تبارك وتعالى وتدلِّيه، ولا تعرُّض في سورة النجم لذلك، بل فيها أنه رآه نزلةً أخرى عند سدرة المنتهى، وهذا هو جبريل؛ رآه محمد - صلى الله عليه وسلم - على صورته مرتين، مرةً في الأرض ومرةً عند سدرة المنتهى، والله أعلم.

فصل

فلما أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قومه أخبرهم بما أراه الله عز وجل من آياته الكبرى، فاشتد تكذيبهم له وأذاهم واستضراؤهم (٢) عليه، وسألوه أن يصف لهم بيتَ المقدس، فجلَّاه الله له حتى عاينه، فطفق يخبرهم عن آياته ولا يستطيعون أن يردوا عليه شيئًا (٣).


(١) ص، ز، ج، ن: «قدر»، وهو بمعناه.
(٢) المطبوع: «ضرواتهم». ومعنى «استضراؤهم عليه» أي مُكايدتهم له، من قولهم: «استضريتُ للصيد» إذا خَتَله من حيث لا يشعر.
(٣) أخرجه البخاري (٣٨٨٦) ومسلم (١٧٠) من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - بنحوه. وأخرجه ابن سعد (١/ ١٨٣) والنسائي في «الكبرى» (١١٢٢٠) من حديث أبي هريرة بإسناد صحيح.