للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان سبحانه لا يُعذِّب بمقتضى هذه الفطرة وحدَها فلم تزل دعوة الرسل إلى التوحيد في الأرض معلومةً لأهلها، فالمشرك يستحق العذاب بمخالفته دعوة الرسل، والله أعلم.

فصل

في قدوم وفد النَّخَع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

وقدم عليه وفد النخع ــ وهم آخر الوفود قدومًا عليه ــ في نصف المحرم سنة إحدى عشرة في مائتي رجلٍ، فنزلوا دار الأضياف ثم جاؤوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقرين بالإسلام، وقد كانوا بايعوا معاذ بن جبل، فقال رجل منهم يقال له زرارة بن عمرو: يا رسول الله، إني رأيت (١) في سفري هذا عجبًا، قال: «وما رأيت؟» قال: رأيت أتانًا تركتها في الحي كأنها ولدت جديًا أَسْفَعَ أحوى (٢)، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «هل تركت أمةً لك مُصِرَّةً على حَمْل؟» قال: نعم، قال: «فإنها قد ولدت غلامًا وهو ابنك»، قال: يا رسول الله، فما (٣) باله أسفع أحوى؟ قال: «ادْنُ مني» فدنا منه، فقال: «هل بك مِن بَرَص تكتمه؟» قال: والذي بعثك بالحق ما علم به أحد، ولا اطَّلع عليه غيرُك، قال: «فهو ذلك»، قال: يا رسول الله، ورأيت النعمان بن المنذر (٤) عليه قُرطان مُدَمْلَجان (٥)


(١) أي: في المنام.
(٢) الأسفع: الأسود المُشرَب حمرةً. والأحوى بمعناه.
(٣) ف، ث، س: «ما».
(٤) الظاهر أن المراد به ملك الحِيْرَة المشهور الذي كان في الجاهلية.
(٥) «مدملجان» كذا في جميع الأصول، ودَملَج الشيء: إذا سوّاه وأحسن صنعته، المدملج أيضًا: الأَمْلَس. والذي في «الاكتفاء» و «عيون الأثر»: «ودُمْلُجان»، والدُّمْلج من الحُلِيِّ هو المِعْضَد أي: السوار الذي يكون في العضد ..