للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما جاء الوحي ببراءتها أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمن صرَّح بالإفك فحُدُّوا ثمانين ثمانين (١)، ولم يُحدَّ الخبيثُ عبد الله بن أُبي مع أنه رأس أهل الإفك؛ فقيل: لأن الحدود تخفيف عن أهلها وكفارةٌ، والخبيث ليس أهلًا لذلك، وقد وعده الله بالعذاب العظيم في الآخرة، فيكفيه ذلك عن الحد.

وقيل: بل كان يستوشي الحديثَ ويجمعه ويحكيه ويخرجه في قوالبِ من لا ينسب إليه.

وقيل: الحد لا يثبت إلا بإقرارٍ أو بيِّنةٍ (٢)، وهو لم يقرَّ بالقذف ولا شهد به عليه أحد، فإنه إنما كان يذكره بين أصحابه ولم يشهدوا عليه، ولم يكن يذكره بين المؤمنين.

وقيل: حد القذف حقٌّ لآدميٍّ لا يستوفى إلا بمطالبته، وإن قيل: إنه حقٌّ لله فلا بد من مطالبة المقذوف؛ وعائشة لم تطالب به لابن أُبي.

وقيل: بل ترك حده لمصلحةٍ هي أعظمُ من إقامته، كما ترك قتله مع ظهور نفاقه وتكلُّمه بما يوجب قتله مرارًا، وهي: تأليفُ قومه وعدمُ تنفيرهم عن الإسلام، فإنه كان مطاعًا فيهم رئيسًا عليهم، فلم تؤمَن إثارةُ الفتنة في حدِّه.

ولعله تُرِك لهذه الوجوه كلها؛ فجلد مِسطح بن أثاثة، وحسّان بن ثابت، وحمنة بنت جحش ــ وهؤلاء من المؤمنين الصادقين ــ تطهيرًا لهم وتكفيرًا،


(١) كما في حديث عائشة - رضي الله عنها - عند أبي داود (٤٤٧٤) والبيهقي في «الدلائل» (٤/ ٧٤)، وهم ثلاثة سيذكر المؤلف أسماءهم قريبًا.
(٢) ق، ث: «بالإقرار أو ببينة». ب: «بالإقرار أو بينة».