للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وألطفَه وسُرُّوا به أتمَّ السرور، وحصل لهم به غايةُ الهناء، ولو أطلع اللهُ رسولَه على حقيقة الحالِ من أوَّلِ وَهلةٍ وأنزل الوحيَ على الفور بذلك لفاتت هذه الحكم (١) وأضعافُها بل أضعافُ أضعافِها.

وأيضًا: فإن الله سبحانه أحبَّ أن يُظهر منزلةَ رسوله وأهلِ بيته عنده وكرامتَهم عليه، وأن يخرج رسوله من هذه القضية ويتولَّى هو بنفسه الدفاعَ والمنافحة عنه والردَّ على أعدائه وذمَّهم وعيبَهم بأمرٍ لا يكون له فيه عمل ولا ينسب إليه، بل يكون هو وحدَه المتولي لذلك الثائرَ لرسوله وأهل بيته.

وأيضًا: فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان هو المقصودَ بالأذى، والتي رميت زوجته، فلم يكن يليق به أن يشهد ببراءتها مع علمه أو ظنِّه المقاربِ (٢) للعلم ببراءتها، ولم يظنَّ بها سوءًا قط ــ وحاشاه وحاشاها ــ، ولذلك لما استعذر من أهل الإفك قال: «من يعذرني مِن رجل بلغني أذاه في أهلي، والله ما علمتُ على أهلي إلا خيرًا، ولقد ذكروا رجلًا ما علمتُ عليه إلا خيرًا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي» (٣)، وكان عنده من القرائن التي تشهد ببراءة الصديقة أكثرُ مما عند المؤمنين، ولكن لكمال صبره وثباته ورفقه وحسن ظنِّه بربه وثقتِه به وَفَّى مقام الصبر والثبات وحسن الظن بالله حقَّه، حتى جاءه الوحيُ بما أقرَّ عينه وسرَّ قلبَه وعظَّم قدره، وظهر لأمته (٤) احتفاء ربِّه به (٥) واعتناؤه بشأنه.


(١) ز، د: «الحكمة».
(٢) م، ق: «المقارن». ث: «المفارق». كلاهما تصحيف.
(٣) ورد ضمن حديث عائشة - رضي الله عنها - المتفق عليه، وقد سبق تخريجه.
(٤) ص، ز، د، ث، ن: «للأمة».
(٥) ز: «احتفاله به». ث، النسخ المطبوعة: «احتفال ربّه به».