للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

ولم يكن من هديه - صلى الله عليه وسلم - تغميض عينيه في الصلاة. وقد تقدَّم أنه كان في التشهُّد يرمي (١) ببصره إلى إصبعه في الدعاء، ولا يجاوز ببصره إشارته.

وذكر البخاري في «صحيحه» (٢) عن أنس قال: كان قِرَامٌ (٣) لعائشة، سترت به جانبَ بيتها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أميطي عنَّا قِرامَكِ هذا، فإنه لا تزال تصاويره تعرِض في صلاتي». ولو كان يغمِّض عينيه، لما عرضت له في صلاته. وفي الاستدلال بهذا الحديث نظرٌ، لأن الذي كان يعرض له في صلاته: هل هو تذكُّرُ (٤) تلك التصاوير بعد رؤيتها، أو نفسُ رؤيتها؟ هذا محتمل (٥).

وأبين دلالةً منه حديث عائشة أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - صلَّى في خميصة لها أعلامٌ، فنظر إلى أعلامها نظرةً، فلما انصرف قال: «اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جَهْم، وَأْتُوني بأنبجَانيَّته (٦)، فإنها أَلْهَتْني آنفًا عن صلاتي» (٧). وفي الاستدلال به أيضًا ما فيه، إذ غايته أنه حانت منه التفاتةٌ إليها، فشغلته بتلك الالتفاتة.

ولا يدل حديث التفاته إلى الشِّعْب لما أرسل الفارس إليه طليعةً، لأن


(١) ما عدا ص، ج: «يومئ».
(٢) برقم (٣٧٤، ٥٩٥٩).
(٣) القِرام: الستر الرقيق.
(٤) ك، ع: «تذكرة».
(٥) كذا في جميع الأصول والطبعات القديمة. وقد زاد الفقي بعده: «وهذا محتمل».
(٦) ن: «بأنبجانية أبي جهم».
(٧) أخرجه البخاري (٣٧٣، ٥٨١٧) ومسلم (٥٥٦/ ٦٢).