للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأيضًا: فلو لم تكن هذه النصوص مع المبيحين لكان القياس الصحيح معهم، فإن الميتة إنما حرمت لاحتقان الرطوبات والفضلات والدم الخبيث فيها، والذكاة لما كانت تزيل ذلك الدم والفضلات كانت سببَ الحِلِّ، وإلا فالموت لا يقتضي التحريم فإنه حاصل بالذكاة كما يحصل بغيرها، فإذا لم يكن في الحيوان دم وفضلات تزيلها الذكاةُ لم يَحْرُم بالموت ولم يشترط لحلِّه ذكاة كالجراد، ولهذا لا يَنجسُ بالموت ما لا نفس له سائلة كالذباب والنحلة ونحوهما، والسمكُ من هذا الضرب، فإنه لو كان له دم وفضلات تحتقن بموته لم يحل بموته بغير ذكاة، ولم يكن فرق بين موته في الماء وموته خارجَه، إذ من المعلوم أن موته في البر لا يُذهب تلك الفضلات التي تحرِّمه عند المحرِّمين إذا مات في البحر. ولو لم يكن في المسألة نصوص لكان هذا القياس كافيًا. والله أعلم.

فصل

وفيها دليل على جواز الاجتهاد في الوقائع في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وإقراره على ذلك، لكن هذا كان في حال الحاجة إلى الاجتهاد وعدمِ تمكُّنهم من مراجعة النص. وقد اجتهد أبو بكر وعمر بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عدة من الوقائع وأقرَّهما على ذلك، لكن في قضايا جُزْوِيَّة (١) مُعيَّنة لا في أحكام عامة وشرائعَ كليَّةٍ، فإن هذا لم يقع من أحد من الصحابة في حضوره - صلى الله عليه وسلم - البتة.

* * *


(١) س، ن، المطبوع: «جزئية»، لغتان. والمثبت هي لغة المؤلف، وانظرها في «تهذيب السنن» (٢/ ٤٤٩).