للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولكن هاهنا أمرٌ لا بدَّ من بيانه، وهو أنَّ من شرط انتفاع العليل بالدَّواء قبولَه واعتقادَ النَّفع به، فتقبله الطَّبيعة، فتستعين به على دفع العلَّة؛ حتَّى إنَّ كثيرًا من المعالجات تنفع بالاعتقاد وحسن القبول وكمال التَّلقِّي، وقد شاهد النَّاس من ذلك عجائب. وهذا لأنَّ الطَّبيعة يشتدُّ قبولُها له، وتفرح النَّفس به، فتنتعش القوَّة، ويقوى سلطانُ الطَّبيعة، وينبعث الحارُّ الغريزيّ، فيتساعد (١) على دفع المؤذي. وبالعكس يكون كثيرٌ من الأدوية نافعًا لتلك العلَّة، فيقطع عملَه سوءُ اعتقاد العليل فيه وعدمُ أخذ الطَّبيعة له بالقبول، فلا يجدي عليها شيئًا.

واعتبِرْ هذا بأعظم الأدوية والأشفية، وأنفعِها للقلوب والأبدان والمعاش والمعاد والدُّنيا والآخرة، وهو القرآن الذي هو شفاءٌ من كلِّ داءٍ: كيف لا ينفع القلوبَ الَّتي لا تعتقد فيه الشِّفاءَ والنَّفعَ، بل لا يزيدها إلا مرضًا إلى مرضها! وليس لشفاء القلوب قطُّ دواءٌ (٢) أنفعُ من القرآن، فإنَّه شفاؤها التَّامُّ الكامل الذي لا يغادر فيها سقمًا إلا أبرأه، ويحفظ عليها صحَّتها المطلقة (٣)، ويحميها الحِمْيَةَ التَّامَّة من كلِّ مؤذٍ ومضرٍّ. ومع هذا فإعراضُ أكثر القلوب عنه، وعدمُ اعتقادها الجازم الذي لا ريب فيه أنَّه كذلك، وعدمُ استعماله، والعدولُ إلى الأدوية الَّتي ركَّبها بنو جنسها= حال بينها وبين الشِّفاء به. وغلبت العوائد، واشتدَّ الإعراض، وتمكَّنت العلل والأدواء


(١) كذا في الأصل وغيره. وفي حط: «تتساعد». وفي ن: «يساعد»، وكذا في النسخ المطبوعة.
(٢) ن: «دواء قط» وكذا في النسخ المطبوعة.
(٣) ز: «المعطلة»، تحريف.