للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شاء الله. قال: فيلزمُهم على هذا أن يفرِّقوا بين إنشاء التَّحريم وبين الحلف به، فيكون في الحلف به حالفًا يلزمُه كفَّارة يمينٍ، وفي تنجيزه أو تعليقه بشرطٍ مقصودٍ مظاهرًا يلزمه كفَّارةُ الظِّهار. وهذا مقتضى المنقول عن ابن عبَّاسٍ، فإنَّه مرَّةً جعله ظهارًا (١)، ومرَّةً جعله يمينًا (٢).

فصل

وأمَّا من قال: إنَّه يمينٌ مكفَّرةٌ بكلِّ حالٍ، فمأخذ قوله: أنَّ تحريم الحلال من الطَّعام والشَّراب واللِّباس يمينٌ، تُكفَّر بالنَّصِّ والمعنى وآثار الصَّحابة، فإنَّ الله سبحانه قال: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: ١ - ٢]. ولا بدَّ أن يكون تحريم الحلال داخلًا تحت هذا الفرض؛ لأنَّه سببه، وتخصيصُ مَحلِّ السَّبب من جملة العامِّ ممتنعٌ قطعًا، إذ هو المقصود بالبيان أوَّلًا، فلو خُصَّ لَخَلا سببُ الحكم عن البيان، وهو ممتنعٌ.

وهذا الاستدلال في غاية القوَّة، فسألتُ عنه شيخ الإسلام قدَّس الله روحه، فقال: نعم، التَّحريم يمينٌ، لكنه يمينٌ (٣) كبرى في الزَّوجة، كفَّارتُها كفَّارة الظِّهار، ويمينٌ صغرى فيما عداها، كفَّارتها كفَّارة اليمين باللَّه. قال:


(١) أخرجه عبد الرزاق (١١٣٨٥) ــ وبنحوه ابن أبي شيبة (١٢٢٨٦)، والدارقطني في «السنن» (٧/ ٣٥٠) ــ من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في الحرام قال: «عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينا». وسنده صحيح على شرط الشيخين.
(٢) أخرجه مسلم (١٤٧٣).
(٣) «لكنه يمين» ليست في المطبوع.