الهديَ لأهللتُ بعمرةٍ»، وأنس قال عنه: إنَّه حين صلَّى الظُّهر أوجبَ حجًّا وعمرةً، وعُمر أخبر عنه أنَّ الوحي جاءه من ربِّه يأمره بذلك.
فإن قيل: فما تصنعون بقول الزُّهريِّ: إنَّ عروة أخبره عن عائشة بمثل حديث سالم عن ابن عمر؟
قيل: الذي أخبرت به عائشة من ذلك هو أنَّه - صلى الله عليه وسلم - طاف طوافًا واحدًا عن حجِّه وعمرته، وهذا هو الموافق لرواية عروة عنها في «الصَّحيحين»: «وطاف الذين أهلُّوا بالعمرة بالبيت وبين الصَّفا والمروة، ثمَّ حلُّوا، ثمَّ طافوا طوافًا آخر بعد أن رجعوا من منًى لحجِّهم. وأمَّا الذين جمعوا الحجَّ والعمرة فإنَّما طافوا طوافًا واحدًا»، فهذا مثل الذي رواه سالم عن أبيه سواءٌ. وكيف تقول عائشة:«إنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدأ فأهلَّ بالعمرة، ثمَّ أهلَّ بالحجِّ»، وقد قالت: إنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:«لولا أنَّ معي الهديَ لأهللتُ بعمرةٍ»، وقالت:«وأهلَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحجِّ»؟ فعُلِم أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يُهِلَّ في ابتداء إحرامه بعمرةٍ مفردةٍ، والله أعلم.
فصل
وأمَّا الذين قالوا: إنَّه أحرم إحرامًا مطلقًا، لم يعيِّن فيه نسكًا، ثمَّ عيَّنه بعد ذلك لمَّا جاءه القضاء وهو بين الصَّفا والمروة، وهو أحد أقوال الشَّافعيِّ نصَّ عليه في كتاب «اختلاف الحديث»، قال (١): وثبت أنَّه خرج ينتظر القضاء، فنزل عليه القضاء وهو فيما بين الصَّفا والمروة، فأمر أصحابه أنَّ من كان منهم أهلَّ ولم يكن معه هديٌ أن يجعلها عمرةً.