للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنا ممَّن أهلَّ بعمرةٍ. وذكرَتِ (١) الحديثَ. رواه مسلم (٢).

فهذا صريحٌ في أنَّه لم يهلَّ إذ ذاك بعمرةٍ، وإذا جمعتَ بين قول عائشة هذا وبين قولها في «الصَّحيح»: «تمتَّع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجَّة الوداع»، وبين قولها: «وأهلَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحجِّ»، والكلُّ في «الصَّحيح» = علمتَ أنَّها إنَّما نفَتْ عمرةً مفردةً، وأنَّها لم تنْفِ عمرةَ قِرانٍ كانوا يسمُّونها تمتُّعًا كما تقدَّم، وأنَّ ذلك لا يناقض إهلالَه بالحجِّ، فإنَّ عمرة القران في ضِمنه وجزءٌ منه، ولا ينافي قولها: أفرد الحجَّ، فإنَّ أعمال العمرة لمَّا دخلتْ في أعمال الحجِّ وأُفرِدتْ أعماله= كان ذلك إفرادًا بالفعل, وأمَّا التَّلبية بالحجِّ مفردًا فهو إفرادٌ بالقول.

وقد قيل: إنَّ حديث ابن عمر أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تمتَّع في حجَّة الوداع بالعمرة إلى الحجِّ، وبدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأهلَّ بالعمرة، ثمَّ أهلَّ بالحجِّ= مرويٌّ بالمعنى من حديثه الآخر، وإنَّ ابن عمر هو الذي فعل ذلك عامَ حجَّ في فتنة ابن الزبير، وإنَّه بدأ فأهلَّ بالعمرة، ثمَّ قال: ما شأنُهما إلا واحدًا، أُشهِدكم أنِّي قد أوجبتُ حجًّا مع عمرتي، فأهلَّ بهما جميعًا. ثمَّ قال في آخر الحديث: هكذا فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وإنَّما أراد اقتصاره على طوافٍ واحدٍ وسعيٍ واحدٍ، فحمل على المعنى وروى به، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدأ فأهلَّ بالعمرة، ثمَّ أهلَّ بالحجِّ. وإنَّما الذي فعل ذلك ابن عمر.

وهذا (٣) ليس ببعيدٍ بل متعيَّنٌ، فإنَّ عائشة قالت عنه: «لولا أنَّ معي


(١) ص، ج: «وذكر».
(٢) برقم (١٢١١/ ١١٥).
(٣) تعقيب من المؤلف على القول السابق وتأييد له.