للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن المعلوم أن هذا التنكر والوحشة كانا لأهل النفاق أعظم، ولكن لموت قلوبهم لم يكونوا يشعرون به، وهكذا القلب إذا استحكم مرضه واشتدَّ (١) بالذنوب والإجرام لم يجد هذه الوحشة والتنكر ولم يحسَّ بها، وهذا (٢) علامة الشقاء وأنه قد أيس من عافية هذا المرض، وأعيا على الأطباء شفاؤه. والخوف والهم مع الرِّيبة والأمن، والسرور مع البراءة من الريب (٣).

فما في الأرض أشجع من بريءٍ ... ولا في الأرض أخوف من مريب (٤)

وهذا القدر قد ينتفع به المؤمن البصير إذا ابتُلي به ثم راجع نفعًا عظيمًا من وجوه عديدة تفوت الحصر، ولو لم يكن منها إلا استثمارُه مِن ذلك أعلامَ النبوة وذوقُه نفسَ ما أخبر به الرسول، فيصير تصديقه ضروريًّا عنده، ويصير ما ناله من الشر بمعاصيه ومن الخير بطاعاته من أدلة صدق النبوة الذَّوقية التي لا يتطرق إليها الاحتمالات. وهذا كمن أخبرك أن في هذه الطريق من المعاطب والمخاوف كيت وكيت على التفصيل، فخالفتَه وسلكتها فرأيت عين ما أخبرك به، فإنك تشهد صدقه في نفس خلافك له. وأما إذا سلك طريقَ الأمن وحدها ولم يجد من تلك المخاوف شيئًا، فإنه وإن شهد صدق المخبِر بما ناله من الخير والظفر فيها مفصَّلًا، فإن علمه بتلك يكون مجملًا.


(١) في النسخ المطبوعة: «اشتدَّ ألمه»، إقحام مفسد للمعنى.
(٢) ن، المطبوع: «وهذه».
(٣) ز، س، ث، ن: «الذنب»، وكذا في المطبوع.
(٤) لعل البيت للمؤلف، وقد ذكره ابن مفلح في «الآداب الشرعية» (٢/ ٣٢) بلا نسبة.