للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عافية (١) معها، كما في الحديث المشهور: «إذا أراد الله بعبد خيرًا عجَّل له عقوبته في الدنيا، وإذا أراد بعبد شرًّا أمسك عنه عقوبته في الدنيا فيَرِد القيامة بذنوبه» (٢).

وفيه دليل أيضًا على هِجران الإمام والعالم والمطاع لمن فعل ما يستوجب العَتْب، ويكون هجرانه دواءً له بحيث لا يضعُف عن حصول الشفاء به ولا يزيد في الكيفية والكمية عليه فيهلكه، إذ المرادُ تأديبه لا إتلافه.

وقوله: «حتى تنكَّرت لي الأرض فما هي بالتي أعرف»، هذا التنكُّر يجده الخائف والحزين والمهموم في الأرض وفي الشجر والنبات، حتى يجده فيمن لا يعلم حالَه من الناس، ويجده أيضًا المذنب العاصي بحسب جُرمه حتى في خُلُق زوجته وولده وخادمه ودابَّته، ويجده في نفسه أيضًا فتتنكَّر له نفسُه حتى ما كأنه هو، ولا كأن أهلَه وأصحابَه ومن يُشفق عليه بالذين يعرفهم، وهذا سرٌّ من الله لا يخفى إلا على ميت القلب (٣)، وعلى حسب حياة القلب يكون إدراك هذا التنكر والوحشة.

وما لجرح بميتٍ إيلامُ (٤)


(١) س، ث، المطبوع: «عاقبة».
(٢) أخرجه أحمد (١٦٨٠٦) وابن حبان (٢٩١١) والحاكم (١/ ٣٤٩) من حديث الحسن عن عبد الله بن مغفَّل - رضي الله عنه - بنحوه. ورجاله ثقات. وفي الباب حديث أنس عند الترمذي (٢٣٩٦) وأبي يعلى (٤٢٥٤) والحاكم (٤/ ٦٠٨) وفي إسناده لين، قال الترمذي: حسن غريب من هذا الوجه.
(٣) طبعة الرسالة: «إلا على من هو ميت القلب» خلافًا للأصول والطبعة الهندية.
(٤) عجز بيت سائر للمتنبي، صدره: من يَهُن يسهُل الهوان عليه