ومغفرته؛ فبسط عليهم التوبة ما دامت الرُّوح في الجسد وفتح لهم بابًا لها لا يغلقه عنهم إلى أن تطلع الشمس من مغربها، وجعل لكل سيئة كفارةً تكفِّرُها من توبةٍ أو صدقةٍ أو حسنة ماحية أو مصيبة مكفِّرةٍ، وجعل لِكُلِّ ما حرَّم عليهم عوضًا من الحلال أنفعَ لهم منه وأطيبَ وألذَّ يقوم مقامه ليستغني العبدُ عن الحرام ويسعه الحلالُ فلا يَضِيق عنه، وجعل لكل عُسْرٍ يمتحنهم به يُسْرًا قَبْله ويسرًا بعده، فلن يغلب عسرٌ يُسرَين، فإذا كان هذا شأنه مع عباده فكيف يكلِّفهم ما لا يسعهم، فضلًا عمَّا لا يطيقونه ولا يقدرون عليه؟!
فصل
إذا عرف هذا فالجهاد أربع مراتب: جهاد النفس، وجهاد الشيطان، وجهاد الكفار، وجهاد المنافقين.
فجهاد النفس أربع مراتب أيضًا:
أحدها (١): أن يجاهدها على تعلُّم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به، ومتى فاتها عِلْمُه شقيت في الدارين.
الثانية: أن يجاهدها على العمل به بعد علمه، وإلا فمجرد العلم بلا عمل إن لم يضرَّها لم ينفعها.
الثالثة: أن يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه لمن لا يعلمه، وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهدى والبينات، ولا ينفعه عِلْمُه ولا يُنْجيه من عذاب الله.
(١) في المطبوع: «إحداها» على الجادة، والمثبت من الأصول له نظائر في كتب المؤلف.