للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدم عنه ويقول: «كيف يفلح قوم شجُّوا نبيَّهم وكسروا رَباعيته وهو يدعوهم؟!» فأنزل الله عز وجل: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران: ١٢٨].

ولما انهزم الناس لم ينهزم أنس بن النضر وقال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء ــ يعني: المسلمين ــ، وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء ــ يعني: المشركين ــ، ثم تقدَّم فلقيه سعد بن معاذ فقال: أين يا أبا عمر؟ فقال أنس: واهًا لريح الجنة يا سعد! إني أجده دون أُحُدٍ، ثم مضى فقاتل القوم حتى قُتِل، فما عُرِف حتى عرفتْه أختُه ببنانه وبه بضع وثمانون ما بين طعنةٍ برمح وضربةٍ بسيف ورميةٍ بسهم (١).

وانهزم المشركون أول النهار كما تقدم، فصرخ فيهم إبليس: أي عباد الله أُخراكم! فرجعوا (٢) من الهزيمة فاجتلَدوا، ونظر حذيفة إلى أبيه والمسلمون يريدون قتلَه وهم يظنونه من المشركين فقال: أي عباد الله، أبي! فلم يفهموا قولَه حتى قتلوه، فقال: يغفر الله لكم، فأراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يَدِيَه، فقال: قد تصدقتُ بدمه على المسلمين، فزاد ذلك حذيفة خيرًا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - (٣).


(١) أخرجه البخاري (٢٨٠٥، ٤٠٤٨) ومسلم (١٩٠٣) من حديث أنس بن مالك، وأنس بن نضر عمُّه وبه سُمِّي أنس بن مالك.
(٢) النسخ المطبوعة: «أي عباد الله أخزاكم الله فارجعوا»، تحريف مخالف للأصول ولنصّ الحديث عند البخاري. وقول اللعين: «أخراكم!» أي عليكم بمَن وراءَكم فقاتِلوهم.
(٣) أخرجه البخاري (٣٢٩٠، ٣٨٢٤، ٤٠٦٥ ومواضع أخرى) من حديث عائشة، دون قوله: فأراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يديه ... إلخ، فهو عند ابن إسحاق ــ كما في «سيرة ابن هشام» (ص ٨٨) ــ عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد - رضي الله عنه -. وفي مرسل الزهري عند عبد الرزاق (١٨٧٢٤) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وداه. وكذا ذكره موسى بن عقبة ــ كما في «الدلائل» (٣/ ٢١٨) ــ عن الزهري عن عروة مرسلًا.