للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأمَّا المطعن الأوَّل: وهو كون الرَّاوي امرأةً، فمطعنٌ باطلٌ بلا شكٍّ، والعلماء قاطبةً على خلافه، والمحتجُّ بهذا من أتباع الأئمَّة أوَّلُ مبطلٍ له ومخالفٍ له، فإنَّهم لا يختلفون في أنَّ السُّنن تُؤخذ عن المرأة كما تؤخذ عن الرَّجل. هذا، وكم من سنَّةٍ تلقَّتْها الأمةُ بالقبول عن امرأةٍ واحدةٍ من الصَّحابة، وهذه مسانيد نساء الصَّحابة بأيدي النَّاس لا تشاء أن ترى فيها سنَّةً تفرَّدت بها امرأةٌ منهنَّ إلا رأيتَها، فما ذنبُ فاطمة دون نساء العالمين؟

وقد أخذ النَّاس بحديث فُريعة بنت مالك بن سِنان أخت أبي سعيد في اعتداد المتوفَّى عنها في بيت زوجها (١)، وليست فاطمة بدونها علمًا وجلالةً وثقةً وأمانةً، بل هي أفقه منها بلا شكٍّ، فإنَّ الفُريعة لا تُعرف إلا في هذا الخبر، وأمَّا شهرة فاطمة ودعاؤها من نازعها من الصَّحابة إلى كتاب الله ومناظرتها على ذلك فأمرٌ مشهورٌ، وكانت أسعدَ بهذه المناظرة ممَّن خالفها كما مضى تقريره.

وقد كان الصَّحابة يختلفون في الشَّيء، فتَروي لهم إحدى أمَّهات المؤمنين عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - شيئًا، فيأخذون به ويرجعون إليه ويتركون ما عندهم له، وإنَّما فُضِلَتْ (٢) فاطمة بنت قيس بكونهنَّ أزواجَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإلَّا فهي (٣)


(١) أخرجه أحمد (٢٧٠٨٧)، وأبو داود (٢٣٠٠)، والترمذي (١٢٠٤)، والنسائي (٣٥٣٢)، والحاكم (٢/ ٢٢٦)، وابن حبان (٤٢٩٢)، وقال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح».
(٢) كذا في النسخ، والمعنى: أن فاطمة كانت مفضولة بمقابل أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإلا فهي .... وفي المطبوع: «فضلن على».
(٣) م، ح: «فهن»، خطأ.