للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال له المقداد: لا نقول لك كما قال قومُ موسى لموسى: {اذْهَبْ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا} [المائدة: ٢٤]، ولكنَّا نقاتل عن يمينك وعن شمالك، ومِن بين يديك ومن خلفك (١).

فأشرق وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسُرَّ بما سمع من أصحابه، وقال: «سيروا وأبشروا، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين، وإني قد رأيتُ مصارعَ القوم» (٢).

فسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بدرٍ، وخَفَض أبو سفيان فلحق بساحل البحر، ولمّا رأى أنه قد نجا وأحرز العيرَ كتب إلى قريش أن ارجِعُوا، فإنكم إنما خرجتم لتُحرِزوا عيرَكم؛ فأتاهم الخبرُ وهم بالجُحفة فهمُّوا بالرجوع، فقال أبو جهل: والله لا نرجع حتى نَقْدَم بدرًا فنقيمَ بها ونُطعمَ من حضرنا من العرب، وتخافنا العرب بعد ذلك. وأشار الأخنس بن شُرَيق عليهم بالرجوع فعصوه، فرجع هو وبنو زُهرة، فلم يشهد بدرًا زُهريٌّ، فاغتبطت بنو زهرة بعدُ برأي الأخنس، فلم يزل فيهم مُطاعًا معظمًا. وأرادت بنو هاشم الرجوع فاشتدَّ عليهم أبو جهل وقال: لا تفارقنا هذه العصابة حتى نرجع.


(١) كلمة المقداد أخرجها البخاري (٣٩٥٢، ٤٦٠٩) من حديث ابن مسعود، وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سُرَّ بذلك وأشرق وجهُه.
(٢) ذكره ابن إسحاق ــ كما عند ابن هشام (١/ ٦١٥) ــ والواقدي (١/ ٤٩) وابن سعد (٢/ ١٣) بنحوه. وقد ثبت من غير وجهٍ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أُري مصارعَ القوم فأرى الصحابة إيَّاها، وسيأتي تخريجها قريبًا.