للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِن لهوٍ كمزمار وشَبَّابة وعود، ولم يكن غناءً يتضمن رقية الفواحش وما حرَّم الله؛ فهذا لا يحرمه أحد. وتعلُّقُ أرباب السماع الفسقي به كتعلق من يستحل شرب الخمر المسكر قياسًا على أكل العنب وشرب العصير الذي لا يسكر، ونحوِ هذا من القياسات التي تشبه قياس الذين قالوا: {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥].

ومنها: استماع النبي - صلى الله عليه وسلم - مدحَ المادحين له وتركُ الإنكار عليهم، ولا يصح قياس غيره عليه في هذا لما بين المدحَين (١) والممدوحَين من الفروق، وقد قال: «احْثُوا في وجوه المدَّاحين التراب» (٢).

ومنها ما اشتملت عليه قصة الثلاثة الذين خلفوا من الحكم والفوائد الجمة فنشير إلى بعضها:

فمنها: جواز إخبار الرجل عن تفريطه وتقصيره في طاعة الله ورسوله، وعن سبب ذلك وما آل إليه أمره. وفي ذلك من التحذير والنصيحة وبيان طرق الخير والشر وما يترتب عليها ما هو من أهم الأمور.

ومنها: جواز مدح الإنسان نفسَه بما فيه من الخير إذا لم يكن على سبيل الفخر والترفُّع.

ومنها: تسلية الإنسان نفسه عما لم يُقدَّر له من الخير بما قُدِّر له من نظيره أو خيرٍ منه (٣).


(١) س، هامش ز، المطبوع: «المادحين».
(٢) أخرجه مسلم (٣٠٠٢) من حديث المقداد بن الأسود بنحوه.
(٣) وذلك أن كعبًا قال في مطلع حديثه الطويل في «الصحيحين» ــ وقد سبق ولكن لم يسُق المؤلف هذا الجزء منه ــ: «لم أتخلَّف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك، غير أني كنت تخلَّفت في غزوة بدر، ولم يعاتِب أحدًا تخلَّف عنها ... ولقد شهدتُ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام، وما أحبُّ أنَّ لي بها مشهدَ بدرٍ وإن كانت بدرٌ أذكَرَ في الناس منها».