للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبالجملة فلا يقول أحدٌ: إنَّه لا يُقبل قول الرَّاوي الثِّقة العدل حتَّى يشهد له شاهدان، لا سيَّما إن كان من الصَّحابة.

فصل

وأمَّا المطعن الثَّاني: وهو أنَّ روايتها مخالفةٌ للقرآن، فنجيب بجوابين مجملٍ ومفصَّلٍ:

أمَّا المجمل فنقول: لو كانت مخالِفةً كما ذكرتم لكانت مخالفةً لعمومه، فتكون تخصيصًا للعامِّ، فحكمها حكم تخصيصِ قوله: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: ١١] بالكافر والرَّقيق والقاتل، وتخصيصِ قوله: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: ٢٤] بتحريم (١) الجمع بين المرأة وعمَّتها وبينها وبين خالتها، ونظائره، فإنَّ القرآن لم يَخُصَّ البائنَ بأنَّها لا تُخرَج ولا تَخْرج وبأنَّها تسكن من حيث يسكن زوجها، بل إمَّا أن يَعُمَّها ويَعُمَّ الرَّجعيَّة وإمَّا أن يخصَّ الرَّجعيَّة. فإن عمَّ النَّوعين فالحديث مخصِّصٌ لعمومه، وإن خصَّ الرَّجعيَّاتِ ــ وهو الصَّواب، للسِّياق الذي مَن تدبَّره وتأمَّله قطع بأنَّه في الرَّجعيَّات، من عدَّة أوجهٍ قد أشرنا إليها ــ فالحديث ليس مخالفًا لكتاب الله بل موافقٌ له، ولو ذُكِّر أمير المؤمنين - رضي الله عنه - ذلك (٢) لكان أوَّل راجعٍ إليه، فإنَّ الرَّجل كما يَذْهَل عن النَّصِّ يَذْهَل عن دلالته وسياقه وما يقترن به ممَّا يُبيِّن المرادَ منه، وكثيرًا ما يَذْهَل عن دخول الواقعة المعيَّنة تحت النَّصِّ العامِّ واندراجِه تحتها، فهذا كثيرٌ جدًّا، والتَّفطُّنُ له من الفهم الذي يؤتيه الله من يشاء من


(١) م، ح، ز: «تحريم».
(٢) في المطبوع: «بذلك» خلاف النسخ.