للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كلِّيًّا، بل بقي أثرها مع ضعفه لما يريد الله سبحانه من تكميل مراتب الفضل كلِّها له. فلمَّا أراد الله إكرامه بالشَّهادة ظهر تأثير ذلك الأثر الكامن من السَّمِّ ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا. وظهر سرُّ قوله تعالى لأعدائه من اليهود: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} [البقرة: ٨٧] فجاء بلفظ «كذَّبتم» بالماضي الذي قد وقع منهم وتحقَّق، وجاء بلفظ «تقتلون» بالمستقبل الذي يتوقَّعونه وينتظرونه. والله أعلم.

فصل

في هديه - صلى الله عليه وسلم - في علاج السِّحر الذي سحرته اليهود به

قد أنكر هذا طائفةٌ من النَّاس، وقالوا: لا يجوز هذا عليه، وظنُّوه نقصًا وعيبًا. وليس الأمر كما زعموا، بل هو من جنس ما كان يعتريه - صلى الله عليه وسلم - من الأسقام والأوجاع. وهو مرضٌ من الأمراض، وإصابته به كإصابته بالسَّمِّ، لا فرق بينهما.

وقد ثبت في «الصَّحيحين» (١) عن عائشة أنَّها قالت: سُحِرَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حتَّى إن كان لَيخيَّل إليه أنَّه يأتي نساءه، ولم يأتهنَّ. وذلك أشدُّ ما يكون من السِّحر (٢).

قال القاضي عياض (٣): والسِّحر مرضٌ من الأمراض وعارضٌ من


(١) البخاري (٥٧٦٥) ــ وهذا لفظه ــ ومسلم (٢١٨٩).
(٢) هذه الجملة من كلام سفيان بن عيينة.
(٣) في «كتاب الشفا» (٢/ ١٨١).