للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبقي بعد ذلك ثلاث سنين حتَّى كان وجعه الذي توفِّي فيه فقال: «ما زلتُ أجد من الأُكْلة الَّتي أكلتُ من الشَّاة يوم خيبر حتَّى كان هذا أوانَ انقطاع الأبهر منِّي». فتوفِّي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهيدًا. قاله موسى بن عقبة (١).

معالجة السَّمِّ تكون بالاستفراغات وبالأدوية الَّتي تُعارض فعلَ السَّمِّ وتبطله، إمَّا بكيفيَّاتها، وإمَّا بخواصِّها. فمن عَدِم الدَّواءَ فليبادر إلى الاستفراغ الكلِّيِّ، وأنفعه الحجامة ولا سيَّما إذا كان البلد حارًّا والزَّمان حارًّا؛ فإنَّ القوَّة السَّمِّيَّة تسري إلى الدَّم، فتنبعث في العروق والمجاري حتَّى تصل إلى القلب فيكون الهلاك. فالدَّم هو المنفذ المُوصِل للسَّمِّ إلى القلب والأعضاء، فإذا بادر المسموم وأخرج الدَّمَ خرجت معه تلك الكيفيَّة السَّمِّيَّة الَّتي خالطته. فإن كان استفراغًا تامًّا لم يضرَّه السَّمُّ، بل إمَّا أن يذهب، وإمَّا أن يضعُف فتقوى عليه الطَّبيعة، فتُبطِل فعله أو تُضْعِفه.

ولمَّا احتجم النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - احتجم في الكاهل (٢)، وهو أقرب المواضع الَّتي يمكن فيها الحجامة إلى القلب، فخرجت المادَّة السَّمِّيَّة مع الدَّم لا خروجًا


(١) «المغازي» (ص ٢٥٥) قال: قال الزُّهريُّ: قال جابر بن عبد الله: «واحتجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الكاهل يومئذٍ ... » إلخ، ومن طريق موسى أخرجه البيهقيُّ في «الدَّلائل» (٤/ ٢٦٤)، وإسناده منقطعٌ. وأخرجه أيضًا ابن سعد في «الطَّبقات» (٢/ ٢٠١) عن الواقديِّ ــ وهو متروكٌ ــ وجمع فيه أسانيد متعدِّدةً. وأخرج الطَّبراني في «الكبير» (٢/ ٣٥) من طريق ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروةَ مرسلًا، وذكر قصَّة الشَّاة المسمومة، وفي آخرها: «وبقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ثلاث سنين حتَّى كان وجعُه الَّذي مات فيه».
(٢) أخرجه أبو داود (٣٨٦٠)، والتِّرمذيُّ (٢٠٥١)، وابن ماجه (٣٤٨٣)، وأحمد (١٢١٩١، ١٣٠٠١)، وغيرهم من حديث أنس - رضي الله عنه -. وقد تقدَّم تخريجه.