للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يصوم يومًا قبله أو يومًا بعده (١).

وبهذا يزول الإشكال الذي ظنَّه من قال: إنَّ صومه نوعُ تعظيمٍ له، فهو موافقةٌ لأهل الكتاب في تعظيمه وإن تضمَّن مخالفتهم في صومه، فإنَّ التَّعظيم إنَّما يكون إذا أفرد بالصَّوم، ولا ريبَ أنَّ الحديث لم يجئ بإفراده، وأمَّا إذا صامه مع غيره لم يكن فيه تعظيمٌ. والله أعلم.

فصل

ولم يكن من هديه - صلى الله عليه وسلم - سردُ الصَّوم وصيام الدَّهر، بل قد قال: «إنّ من صام الدَّهر لا صام ولا أفطر» (٢). وليس مراده بهذا من صام الأيَّام المحرَّمة، فإنَّه ذكر ذلك جوابًا لمن قال: أرأيتَ من صام الدَّهر؟ ولا يقال في جواب من فعل المحرَّم: لا صام ولا أفطر، فإنَّ هذا يُؤذِن بأنَّه سواءٌ فطرُه وصومُه، لا يثاب ولا يعاقَب، وليس كذلك من فعل ما حُرِّم عليه من الصِّيام. فليس هذا جوابًا مطابقًا للسُّؤال عن المحرَّم من الصَّوم.

وأيضًا فإنَّ هذا عند من استحبَّ صوم الدَّهر قد فعل حرامًا ومستحبًّا، وهو عندهم قد صام بالنِّسبة إلى أيَّام الاستحباب، وارتكب محرَّمًا بالنِّسبة إلى أيَّام التَّحريم، وفي كلٍّ منهما لا يقال: ما صام ولا أفطر. فتنزيلُ قوله على ذلك غلطٌ ظاهرٌ.


(١) رواه البخاري (١٩٨٥) ومسلم (١١٤٤/ ١٤٧) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٢) رواه أحمد (١٦٣١٥) من حديث عبد الله بن الشخير- رضي الله عنه -، وصححه ابن خزيمة (٢١٥٠) والحاكم (١/ ٤٣٥)، وهو عند مسلم (١١٦٢/ ١٩٦) من حديث أبي قتادة - رضي الله عنه -.