للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«سبحانك هذا بهتان عظيم!» (١).

وتأمَّل ما في تسبيحهم لله وتنزيههم له في هذا المقام من المعرفة به، وتنزيهِه عمَّا لا يليق به أن يجعل لرسوله وخليله وأكرم الخلق عليه امرأةً خبيثةً بغيًّا؛ فمن ظن به سبحانه هذا فقد ظنَّ به ظن السَّوء، وعرف أهلُ المعرفة بالله ورسوله أن المرأة الخبيثة لا تليق إلا بمثلها، كما قال تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ} [النور: ٢٦]، فقطعوا قطعًا لا يشكُّون فيه أن هذا بهتان عظيم وفِرية ظاهرة.

فإن قيل: فما بالُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توقَّف في أمرها وسأل عنها وبحث واستشار، وهو أعرف بالله وبمنزلته عنده وبما يليق به؟ وهلَّا قال: «سبحانك هذا بهتان عظيم» كما قاله فضلاء الصحابة؟

فالجواب: أن هذا من تمام الحِكَم الباهرة التي جعل الله هذه القصة سببًا لها وامتحانًا وابتلاءً لرسوله ولجميع الأمة إلى يوم القيامة، ليرفع بهذه القصة أقوامًا ويضع بها آخرين، ويزيد الله الذين اهتدوا هدًى وإيمانًا، ولا يزيد


(١) أخرجه البخاري (٧٣٧٠) من حديث عائشة - رضي الله عنها - دون تسمية القائل وإنما هو «رجل من الأنصار». وذُكر أنه أبو أيوب في رواية الطبراني في «الكبير» (٢٣/ ٧٤ - ٧٨) والواحدي في «أسباب النزول» (ص ٥٢٣) .. وأخرج إسحاق بن راهويه في «مسنده» (١٦٩٨) والطبري في «تفسيره» (١٧/ ٢١٢) وابن أبي حاتم (٨/ ٢٥٤٦) عن بعض الأشياخ من الأنصار أن أبا أيوب قال لامرأته حين ذكرت له ما يقوله الناس: أكنت تفعلين ذلك؟ فقالت: لا والله، فقال: فعائشة والله خير منك وأطيب، فأنزل الله: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} [النور: ١٢].