للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الظالمين إلا خسارًا، واقتضى تمامُ الامتحان (١) والابتلاء أن حبس عن رسوله الوحيَ شهرًا في شأنها لا يوحى إليه في ذلك شيء؛ لتتمَّ حكمتُه التي قدَّرها وقضاها وتظهرَ على أكمل الوجوه، ويزدادَ المؤمنون الصادقون إيمانًا وثباتًا على العدل والصدق وحسن الظن بالله ورسوله وأهل بيته والصدِّيقين من عباده، ويزدادَ المنافقون إفكًا ونفاقًا، ويَظهرَ لرسول الله وللمؤمنين سرائرُهم، ولتَتمَّ العبوديةُ المرادة من الصديقة وأبويها (٢) وتتمَّ نعمةُ الله عليهم، ولتشتد الفاقةُ والرغبةُ منها ومن أبويها والافتقار إلى الله، والذلُّ له وحسنُ الظن به والرجاءُ له، ولينقطعَ رجاؤها من المخلوقين وتيأسَ من حصولِ النصر والفرج على يد أحدٍ من الخلق، ولهذا وفَّتْ هذا المقام حقَّه لما قال لها أبواها: قومي إليه ــ وقد أنزل اللهُ عليه (٣) براءتها ــ فقالت: «والله لا أقوم إليه، ولا أحمدُ إلا الله، هو الذي أنزل براءتي» (٤).

وأيضًا: فكان من حكمة حبس الوحي شهرًا أن القضية نضجت (٥) وتمخَّضت واستشرفت قلوب المؤمنين أعظمَ استشرافٍ إلى ما يوحيه الله إلى رسوله فيها وتطلَّعت إلى ذلك غاية التطلُّع، فوافى الوحيُ أحوجَ ما كان إليه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وأهلُ بيته والصديقُ وأهلُه وأصحابه والمؤمنون، فورد عليهم ورودَ الغيث على الأرض أحوجَ ما كانت إليه، فوقع منهم أعظمَ موقعٍ


(١) «الامتحان و» ساقط من ق.
(٢) ص، ز، د، ن: «أبيها» هنا وفي الموضع الآتي.
(٣) ص، ز، د: «أُنزل عليه».
(٤) كما في حديثها الطويل عند الشيخين، وهذا لفظ مسلم (٢٧٧٠/ ٥٦).
(٥) د: «محضت». وفي المطبوع: «مُحِّصت».