للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلمَّا أتيتُه وقع في قلبي الإسلام، فقلت: يا رسول الله، لا أرجع إليهم، قال: «إني لا أخيس بالعهد ولا أحبس البُرُد، ارجِعْ إليهم، فإن كان في قلبك الذي فيه الآن فارجِعْ» (١).

قال أبو داود: كان هذا في المدة التي شرط لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يردَّ إليهم مَن جاءَه منهم وإن كان مسلمًا، وأما اليوم فلا يصلح هذا. انتهى.

وفي قوله: «لا أحبس البُرُد» إشعار بأنَّ هذا حكم يختصُّ بالرسل مطلقًا، وأما ردُّه مَن جاء إليه منهم وإن كان مسلمًا، فهذا إنما يكون مع الشرط كما قال أبو داود، وأما الرسل فلهم حكم آخر، ألا تراه لم يتعرض لرسولَي مسيلمة وقد قالا له في وجهه: نشهد أن مسيلمة رسول الله.

وكان من هديه أن أعداءه إذا عاهدوا واحدًا من أصحابه على عهدٍ لا يضرُّ بالمسلمين بغير رضاه أمضاه لهم، كما عاهدوا حذيفةَ وأباه أن لا يقاتلاهم (٢) معه - صلى الله عليه وسلم -، فأمضى لهم ذلك وقال لهما: «انصرفا، نَفِي لهم بعهدهم ونستعين اللهَ عليهم» (٣).

فصل

وصالح قريشًا على وضع الحرب بينه وبينهم عشر سنين على أن من جاءه منهم مسلمًا ردَّه إليهم، ومن جاءهم (٤) من عنده لا يردُّونه إليه، وكان


(١) أخرجه أبو داود (٢٧٥٨) والنسائي في «الكبرى» (٨٦٢١) وابن حبان (٤٨٧٧) والحاكم (٣/ ٥٩٨) بإسناد صحيح.
(٢) ص، ز، ج: «يقاتلانهم». ق: «أن لا يقاتلا وهُم».
(٣) أخرجه مسلم (١٧٨٧) من حديث حذيفة.
(٤) م، ق، ب، ث: «جاء» دون ضمير النصب.