للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حتى ضمَّ إليه أنه أخو موسى بن عمران! ومعلوم أنه لا يدل اللفظ على شيء من ذلك، فإيراده إيرادٌ فاسد، وهو إما من سوء الفهم أو من فساد القصد.

وأما قول ابن إسحاق: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث علي بن أبي طالب إلى أهل نجران ليجمع صدقاتهم ويقدم عليه بجزيتهم، فقد يُظن أنه كلام متناقض لأن الصدقة والجزية لا تجتمعان. وأشكل منه ما ذكره هو وغيره (١) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث خالد بن الوليد في شهر ربيع الآخر وجُمادى الأولى (٢) سنة عشرٍ إلى بني الحارث بن كعب بنجران وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام قبل أن يقاتلهم ثلاثًا، فإن استجابوا فاقبَلْ منهم وإن لم يفعلوا فقاتِلْهم، فخرج خالد حتى قدم عليهم فبعث الركاب يضربون في كل وجه ويدعون إلى الإسلام فأسلم الناس ودخلوا فيما دُعُوا إليه، فأقام فيهم خالد يعلمهم الإسلام وكتب بذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكتب إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يُقبِل، ويُقبل إليه بوفدهم. وقد تقدم أنهم وفدوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصالحوه على ألفَي حُلَّة، وكتب لهم كتاب أمن وأن لا يغيَّروا عن دينهم ولا يُحشَروا ولا يُعشَروا.

وجواب هذا: أن أهل نجران كانوا صنفين: نصارى وأميِّين، فصالح النصارى على ما تقدم، وأما الأميُّون منهم فبعث إليهم خالدًا فأسلموا، وقدم وفدهم على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهم الذين قال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «بم كنتم تغلبون من قاتلكم في الجاهلية؟» قالوا: كنا نجتمع ولا نتفرَّق ولا نبدأ أحدًا بظلم، قال: «صدقتم»، وأمَّر عليهم قيس بن الحصين، وهؤلاء هم بنو الحارث بن


(١) كابن سعد في «الطبقات»، وقد سبق (ص ٧٨٣).
(٢) ث، والنسخ المطبوعة: «أو جمادى الأولى»، وقد سبق أن المثبت هو لفظ ابن إسحاق كما نقله البيهقي وابن سيد الناس.