للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما انقضت الحرب أشرف أبو سفيان على الجبل ونادى: أفيكم محمد؟ فلم يجيبوه، فقال: أفيكم ابن أبي قحافة؟ فلم يجيبوه، فقال: أفيكم ابن الخطاب؟ فلم يجيبوه، ولم يسأل إلا عن هؤلاء الثلاثة لعلمه وعلم قومه أن قيام (١) الإسلام بهم، فقال: أمّا هؤلاء فقد كفيتموهم، فلم يملك عمر نفسه أن قال: يا عدوَّ الله، إن الذين ذكرتهم أحياء، وقد أبقى الله لك ما يسوءك! فقال: قد كان في القوم مُثلة لم آمُر بها ولم تسؤني، ثم قال: اعْلُ هُبَل! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ألا تجيبوه (٢)؟» قالوا: ما نقول؟ قال: «قولوا: الله أعلى وأجل»، ثم قال: لنا العزى ولا عزى لكم! قال: «ألا تجيبوه؟» قالوا: ما نقول؟ قال: «قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم» (٣).

فأمرهم بجوابه عند افتخاره بآلهته وبشِرْكِه تعظيمًا للتوحيد وإعلامًا بعزَّة من عبده المسلمون وقوةِ جانبه، وأنه لا يُغلَب ونحن حزبُه وجنده؛ ولم يأمرهم بإجابته حين قال: أفيكم محمد؟ أفيكم ابن أبي قحافة؟ أفيكم عمر؟ بل قد روي أنه نهاهم عن إجابته وقال: «لا تجيبوه» (٤)، لأن كَلَبَهُم (٥) لم يكن برد بعدُ في طلب القوم، ونارُ غيظهم بعدُ متوقِّدة؛ فلما قال لأصحابه: أما هؤلاء فقد كفيتموهم، حمي عمرُ بن الخطاب واشتد غضبه وقال: كذبتَ يا


(١) د، المطبوع: «قوام».
(٢) في المطبوع هنا وفي الموضع الآتي: «تجيبونه» خلافًا للأصول. و «تجيبوه» هكذا وقع في رواية أبي ذر الهروي لـ «صحيح البخاري». انظر: «إرشاد الساري» للقسطلاني (٥/ ١٦٠).
(٣) أخرجه البخاري (٣٠٣٩) من حديث البراء بن عازب.
(٤) كما في روايةٍ عند البخاري (٤٠٤٣) لحديث البراء السابق.
(٥) أي شدة حرصهم. في المطبوع: «كَلْمهم»، تصحيف.