للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عدو الله! فكان في هذا الإعلام من الإذلال والشجاعة وعدمِ الجبن والتعرُّفِ إلى العدو في تلك الحال ما يؤذنهم بقوة القوم وبسالتهم، وأنهم لم يَهِنوا ولم يَضْعُفُوا، وأنه وقومه جديرون بعدم الخوف منهم، وقد أبقى الله لهم ما يسوءهم منهم، وكان في (١) الإعلام ببقاء هؤلاء الثلاثة وهلةً بعد ظنِّه وظنِّ قومه أنهم قد أصيبوا من المصلحة وغيظ العدو وحزنه (٢) والفَتِّ في عَضُده ما ليس في جوابه حين سأل عنهم واحدًا واحدًا، فكان سؤاله عنهم ونَعْيُهم لقومه آخرَ سهامِ العدو وكيده، فصبر له النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى استوفى كيدَه، ثم انتدب له عمر فردَّ سهامَه عليه؛ فكان تركُ الجواب أولًا أحسنَ، وذكرُه ثانيًا أحسنَ.

وأيضًا، فإن في ترك إجابته حين سأل عنهم إهانةً له وتصغيرًا لشأنه. فلما منَّتْه نفسُه موتَهم وظنَّ أنهم قد قُتِلوا، وحصل له بذلك من الكِبر والإعجاب (٣) ما حصل= كان في جوابه إهانة له وتحقيرٌ وإذلال (٤)، ولم يكن هذا مخالفًا لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تجيبوه»، فإنه إنما نهى عن إجابته لمَّا سأل: أفيكم محمد؟ (٥) أفيكم فلان؟ ولم ينهَ عن إجابته لمَّا قال: أما هؤلاء فقد قُتلوا؛ وبكل حالٍ فلا أحسنَ مِن ترك إجابته أولًا، ولا أحسنَ مِن إجابته ثانيًا.


(١) «في» ساقطة من ص، ز، د.
(٢) د، النسخ المطبوعة: «حزبه»، تصحيف.
(٣) ن، النسخ المطبوعة: «والأشر»، وكذا كان في ص، ثم كتب المثبت في الهامش مصححًا عليه.
(٤) في عامّة الأصول عدا م، ق، ث: «تحقيرًا وإذلالًا»، خطأ.
(٥) «أفيكم محمد» ساقط من ق.