ومنها: أن الله سبحانه إذا أراد أن يهلك أعداءَه ويمحقهم قيَّض لهم الأسباب التي يستوجبون بها هلاكَهم ومحقَهم، ومِن أعظمها بعدَ كفرِهم: بغيُهم وطغيانهم، ومبالغتهم في أذى أوليائه، ومحاربتُهم وقتالهم والتسلُّط عليهم؛ فيتمحَّص بذلك أولياؤه من ذنوبهم وعيوبهم، ويزداد بذلك أعداؤه من أسباب محقهم وهلاكهم.
وقد ذكر سبحانه وتعالى ذلك في قوله: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣٩) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (١٤٠) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: ١٣٩ - ١٤١]، فجمع لهم في هذا الخطاب بين تشجيعهم وتقوية نفوسهم وإحياءِ عزائمهم وهِمَمِهم وبين حسن التسلية (١).
وذكر الحكم الباهرة التي اقتضت إدالةَ الكفار عليهم فقال:{إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ}، فقد استويتم في القرح والألم وتباينتم في الرجاء والثواب، كما قال:{تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ}[النساء: ١٠٤]، فما بالكم تضعفون وتَهِنون عند القرح والألم؟! وقد أصابهم ذلك في سبيل الشيطان، وأنتم أُصِبتم في سبيلي وابتغاء مرضاتي.
ثم أخبر أنه يداول أيام هذه الحياة الدنيا بين الناس وأنها عَرَض حاضر يَقْسِمها دُوَلًا بين أوليائه وأعدائه، بخلاف الآخرة فإن عزَّها ونصرها