وللناس في هذه الأحاديث والتأليف بينها ثلاث (١) مسالك:
أحدها: تضعيف حديث الحسن عن سمرة لأنه لم يسمع منه سوى حديثين ليس هذا منهما، وتضعيفُ حديث الحجاج بن أرطاة.
والمسلك الثاني: دعوى النسخ وإن لم يتبين المتأخر منها من المتقدم، ولذلك وقع الاختلاف.
والمسلك الثالث: حملها على أحوال مختلفة، وهو أن النهي عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئةً إنما كان لأنه ذريعة إلى النسيئة في الربويَّات، فإن البائع إذا رأى ما في هذا البيع من الربح لم تقتصر نفسُه عليه، بل تجرُّه إلى بيع الربوي كذلك، فسدَّ عليهم الذريعة وأباحه يدًا بيد ومنع من النَّساء فيه، وما حُرِّم للذريعة يباح للمصلحة الراجحة، كما أباح من المزابنةِ العرايا للمصلحة الراجحة، وأباح ما تدعو إليه الحاجة منها، وكذلك بيع الحيوان بالحيوان نسيئةً متفاضلًا في هذه القصةِ وفي حديث ابن عمر إنما وقع في الجهاد وحاجةِ المسلمين إلى تجهيز الجيش، ومعلوم أن مصلحة تجهيزه أرجحُ من المفسدة التي في بيع الحيوان بالحيوان نسيئةً، والشريعة لا تُعطِّل المصلحة الراجحة لأجل المرجوحة.
ونظير هذا جوازُ لبس الحرير في الحرب، وجوازُ الخيلاء فيها، إذ مصلحة ذلك أرجح من مفسدة لبسه.
ونظير ذلك لباسه القَباءَ الحريرَ الذي أهداه له ملك أيلةَ ساعةً ثم نزعه
(١) كذا في الأصول، ولعلَّ المؤلف ذكَّره حملًا على المعنى، أي: ثلاث طرق. وقد سبق له نظير (ص ٣٥٨).