للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحسن منازل المسافر! تقي الحرَّ والبرد، وتستر عن العيون، وتمنع ولوجَ الدَّوابِّ (١)، ولا يخاف سقوطها لفرط ثقلها، ولا تعشِّش فيها الهوامُّ لسعتها، ولا تعتَوِر عليها الأهوية والرِّياح المؤذية لارتفاعها. وليست تحت الأرض فتؤذي ساكنَها، ولا في غاية الارتفاع عليها، بل وسطٌ. وتلك أعدل المساكن وأنفعها، وأقلُّها حرًّا وبردًا، ولا تضيق عن ساكنها فينحصر، ولا تفضُل عنه بغير منفعةٍ ولا فائدةٍ فتأوي الهوامُّ في خلوِّها (٢). ولم يكن فيها كُنُفٌ تؤذي ساكنها برائحتها، بل رائحتهُا من أطيب الرَّوائح لأنَّه كان يحبُّ الطِّيب ولا يزال عنده. وريحُه هو من أطيب الرَّائحة، وعرَقُه من أطيب الطِّيب. ولم يكن في الدَّار كنيفٌ تظهر رائحته. ولا ريب أنَّ هذه من أعدل المساكن، وأنفعها وأوفقها للبدن وحفظ صحَّته.

فصل

في تدبيره لأمر النَّوم واليقظة

من تدبَّر نومه ويقظته - صلى الله عليه وسلم - وجده أعدل نومٍ وأنفعه للبدن والأعضاء والقوى، فإنَّه كان ينام أوَّل اللَّيل، ويستيقظ في أوَّل النِّصف الثَّاني (٣)، فيقوم، ويستاك، ويتوضَّأ، ويصلِّي ما كتب الله له. فيأخذ البدن والأعضاء والقوى حظَّها من النَّوم والرَّاحة، وحظَّها من الرِّياضة، مع وفور الأجر. وهذا غاية


(١) ن: «من ولوج الدواب».
(٢) س: «خلولها».
(٣) ورد ذلك في وصفه - صلى الله عليه وسلم - لقيام داود، كما في البخاري (١١٣١) ومسلم (١١٥٩) من حديث عبد الله بن عمرو. وأخرج البخاريُّ (١٠٩٥)، ومسلم (٧٣٩)، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «كان - صلى الله عليه وسلم - ينام أوَّلَ اللَّيل، ويُحيي آخره».