للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بأمره فنمضي له، فشجَّع الناسَ عبدُ الله بن رواحة وقال: يا قومِ، والله إن الذي تكرهون لَلَّتي خرجتم تطلبون: الشهادة، وما نقاتل الناس بعددٍ ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلِقوا فإنما هي إحدى الحسنيين: إما ظفر وإما شهادة.

فمضى الناس حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم الجموع بقريةٍ يقال لها «مشارف»، فدنا العدو وانحاز المسلمون إلى مؤتة، فالتقى الناس عندها فتعبَّى المسلمون ثم اقتتلوا، والراية في يد زيد بن حارثة، فلم يزل يقاتل بها حتى شاط في رماح القوم وخرَّ صريعًا، فأخذها جعفر فقاتل بها حتى إذا أرهقه القتال اقتحم عن فرسه فعقرها، ثم قاتل حتى قُتِل، فكان جعفر أول من عقر فرسه في الإسلام عند القتال، فقطعت يمينه فأخذ الراية بيساره، فقطعت يساره فاحتضن الراية حتى قُتِل، وله ثلاث وثلاثون سنةً.

ثم أخذها عبد الله بن رواحة وتقدم بها وهو على فرسه، فجعل يستنزل نفسه ويتردد بعضَ التردد ثم نزل، فأتاه ابنُ عم له بعرق من لحم فقال: شُدَّ بها صلبك فإنك قد لقيتَ أيامك هذه ما لقيت، فأخذها من يده فانتهس منها نهسةً ثم سمع الحطمة في ناحية الناس فقال: وأنت في الدنيا؟! ثم ألقاه من يده ثم أخذ سيفه وتقدم فقاتل حتى قُتِل.

ثم أخذ الراية ثابت بن أقرم أخو بني عجلان فقال: يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجلٍ منكم، قالوا: أنت، قال: ما أنا بفاعل، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد، فلما أخذ الراية دافع القوم وحاشى بهم، ثم انحاز وانصرف بالناس (١).


(١) ما مضى من سياق الغزوة جلّه من مغازي ابن إسحاق؛ بعضه عنه عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة مرسلًا؛ وبعضه عنه عن يحيى بن عبّاد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه عبَّاد، عن أبيه من الرضاعة وكان في تلك الغزاة.
انظر: «سيرة ابن هشام» (٢/ ٣٧٣ - ٣٨٠) و «المعجم الكبير» للطبراني (١٤/ ٣٨٣) و «دلائل النبوة» (٤/ ٣٥٨ - ٣٦٤). والمؤلف صادر عن «عيون الأثر» (٢/ ١٥٣).