للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واستعمل عليهم زيد بن حارثة وقال: «إن أصيب فجعفر بن أبي طالب على الناس، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة» (١).

فتجهز الناس وهم ثلاثة آلاف، فلما حضر خروجهم ودَّع الناسُ أمراءَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسلَّموا عليهم، فبكى عبد الله بن رواحة فقالوا: ما يبكيك؟ فقال: «أما والله ما بي حبُّ الدنيا ولا صبابة بكم، ولكني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ آيةً من كتاب الله يذكر فيها النار {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} [مريم: ٧١]، فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود؟»، فقال المسلمون: صحبكم الله ودفع عنكم وردَّكم إلينا صالحين، فقال عبد الله بن رواحة:

لكنني أسأل الرحمن مغفرةً ... وضربةً ذاتَ فَرْغٍ (٢) تقذف الزَّبَدا

أو طعنةً بيدَي حرَّانَ مُجهِزةً ... بحربةٍ تَنفُذ الأحشاء والكَبِدا

حتى يقال إذا مروا على جدثي ... يا أرشد اللهُ من غازٍ وقد رَشَدا

ثم مضَوا حتى نزلوا مَعانَ (٣) فبلغ الناس أن هرقل بالبلقاء في مائة ألفٍ من الروم، وانضم إليهم من لخمٍ وجُذام وبَلْقَين وبَهْراءَ وبَلِيٍّ مائةُ ألفٍ، فلما بلغ ذلك المسلمين أقاموا على معان ليلتين ينظرون في أمرهم، وقالوا: نكتب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنخبره بعدد عدونا، فإما أن يمدنا بالرجال وإما أن يأمرنا


(١) حديث التأمير هذا أخرجه البخاري (٤٢٦١) من حديث ابن عمر بنحوه، واللفظ أشبه برواية ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة مرسلًا. انظر: «سيرة ابن هشام» (٢/ ٣٧٣).
(٢) أي: واسعة يسيل دمها، كضربةٍ فريغٍ، وطعنة فرغاء.
(٣) مدينة معروفة في المملكة الأردنية الهاشمية، تقع جنوب عمّان على (٢٠٠) كلم.