للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عبادَه جبره بعد الكسر، ولطفه بعد الشدة، وأنَّ عاقبةَ صبرِ هاجر وابنها (١) على البعد والوحدة والغربة والتسليم لذبح الولد آلت إلى ما آلت إليه من جعل آثارهما ومواطئ أقدامهما مناسك لعباده المؤمنين، ومتعبَّدات لهم إلى يوم القيامة. وهذه سنته تعالى فيمن يريد رفعته من خلقه: أن يمُنَّ عليه بعد استضعافه وذلِّه وانكساره. قال تعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص: ٥] و {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الجمعة: ٤].

ولنرجع إلى المقصود من سيرته - صلى الله عليه وسلم - وهديه وأخلاقه:

ولا خلاف أنه - صلى الله عليه وسلم - ولد بجوف مكة، وأن مولده كان عام الفيل. وكان أمر الفيل تقدمةً قدَّمها الله لنبيِّه وبيته، وإلا فأصحاب الفيل كانوا نصارى أهل كتاب، وكان دينهم خيرًا من دين أهل مكة إذ ذاك، لأنهم كانوا عُبَّاد أوثان (٢)، فنصرهم الله على أهل الكتاب نصرًا لا صنع للبشر فيه، إرهاصًا وتقدمةً للنبي الذي خرج من مكة، وتعظيمًا للبلد الحرام.

واختلف في وفاة أبيه عبد الله: هل توفي ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمل، أو توفي بعد ولادته؟ على قولين أصحُّهما: أنه توفي ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمل. والثاني: توفي (٣) بعد ولادته بسبعة أشهر (٤).


(١) بعد هذا سقطت لوحتان من ق في التصوير.
(٢) ك، ع: «الأوثان».
(٣) ع: «أنه توفي» بزيادة «أنه».
(٤) وقيل: بشهرين. وقيل: بثمانية وعشرين شهرًا. انظر: «الروض الأنف» (٢/ ١٦٠) و «تلقيح الفهوم» (ص ١٤). وقيل غير ذلك.