للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بها من قال ذلك؛ ولا حجَّةَ فيها، لأنه ليس فيها بيان أن التأخير من النبي - صلى الله عليه وسلم - كان عن عمدٍ، بل لعله كان نسيانًا، وفي القصة ما يشعر بذلك، فإن عمر لما قال له: يا رسول الله! ما كدتُ أصلي العصرَ حتى كادت الشمس تغرب، قال: «والله ما صَلَّيتُها» ثم قام فصلَّاها (١). وهذا مُشعر بأنه - صلى الله عليه وسلم - كان ناسيًا بما هو فيه من الشغل والاهتمامِ بأمر العدو المحيط به، وعلى هذا يكون قد أخَّرها بعُذر النسيان كما أخَّرها بعذر النوم في سفره، وصلَّاها بعد استيقاظه وبعد ذكره لتتأسَّى أمته به.

الجواب الثاني: أن هذا على تقدير ثبوته إنما هو في حال الخوف أو المسايفة عند الدَّهش عن تعقُّل أفعالِ الصلاة والإتيان بها، والصحابة في مسيرهم إلى بني قريظة لم يكونوا كذلك. بل كان أكثرُ (٢) أسفارِهم إلى العدوِّ قبل ذلك وبعده، ومعلوم أنهم لم يكونوا يؤخِّرون الصلاة عن وقتها؛ ولم تكن قريظة ممن يُخاف فوتُهم، فإنهم كانوا مقيمين بدارهم.

فهذا منتهى أقدام الفريقين في هذا الموضع.

فصل

وأعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الراية عليَّ بن أبي طالب، واستخلف على المدينة ابن أمِّ مكتوم، ونازل حصون بني قريظة وحصرهم خمسًا وعشرين ليلةً، ولما اشتدَّ بهم الحصار عرض عليهم رئيسهم كعبُ بن أسدٍ ثلاث خصال: إما أن يُسْلموا ويدخلوا مع محمد في دينه، وإما أن يقتلوا ذراريَّهم


(١) أخرجه البخاري (٥٩٦) ومسلم (٦٣١) من حديث جابر.
(٢) ج: «كان حكمهم». ن، النسخ المطبوعة: «كان حكمهم حكم». كلاهما خطأ.