للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فليتأمل المعاقد (١) مع ربه عقدَ هذا التبايُع ما أعظمَ خطرَه وأجلَّه، فإن الله عز وجل هو المشتري، والثمنُ: جنات النعيم والفوز برضاه والتمتع برؤيته هناك، والذي جرى على يده هذا العقد أشرفُ رسله وأكرمهم عليه من الملائكة ومن البشر. وإن سلعةً هذا شأنها لقد هُيِّئت لأمرٍ عظيم وخطب جسيم:

قد هَيَّأوك لأمرٍ لو فَطِنْتَ له ... فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهَمَلِ (٢)

مهر المحبّة والجنة بَذْلُ النفس والمال لمالكهما الذي اشتراهما من المؤمنين، فما لِلجَبان المُعْرِض المُفلس وسومَ هذه السلعة؟! تالله ما هُزِلت فيستامها المفلسون، ولا كسدت فيُنفِّقُها بالنسيئة المُعْسرون؛ لقد أقيمت للعرض في سوقِ مَن يزيد (٣)، فلم يرضَ ربُّها لها بثمنٍ دونَ بذل النفوس (٤)، فتأخر البطَّالون وقام المحبون ينظرون أيُّهم يصلح أن تكون نفسُه الثمنَ، فدارت السلعة بينهم ووقعت في يدِ {وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى} [المائدة: ٥٤].

لمَّا كَثُر المدَّعُون للمحبة طولبوا بإقامة البينة على صحة الدعوى، فلو يُعطى الناس بدعواهم لادَّعى الخليُّ حُرقة الشجيِّ (٥)، فتنوع المدعون في الشهود، فقيل: لا تثبت هذه الدعوى إلا ببينةِ {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي


(١) ق، ن: «العاقد»، وتصحّف في ج إلى: «العاقل».
(٢) البيت من لامية العجم للطُّغْرائي، والرواية فيها: «قد رشَّحُوك».
(٣) النسخ المطبوعة: «يريد» بالراء، خطأ.
(٤) ز، ع: «النفس».
(٥) أي لادّعى الفارغ الخالي من المحبّة أنه ممن شجاه هموم الوصل وأحزان الشوق.