للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد اختلف الناس في الأفضل من الترتيل وقلَّة القراءة، أو السرعة مع كثرة القراءة: أيهما أفضل؟ على قولين.

فمذهب ابن عباس وابن مسعود وغيرهما أنَّ (١) الترتيل والتدبر مع قلة القراءة أفضل من السرعة مع كثرتها.

واحتجَّ أرباب هذا القول بأن المقصود من القرآن (٢) فهمه وتدبُّره، والفقه فيه، والعمل به؛ وتلاوته وحفظه وسيلة إلى معانيه، كما قال بعض السلف: نزل القرآن لِيُعْمَل به، فاتخَذوا تلاوته عملًا (٣). ولهذا كان أهل القرآن هم العالمون به العاملون بما فيه، وإن لم يحفظوه عن ظهر قلب. وأما من حفِظه ولم يفهمه ولم يعمل به، فليس من أهله، وإن أقام حروفه إقامةَ السهم.


(١) مب، ن: «فذهب ابن مسعود وابن عباس - رضي الله عنهما - وغيرهما إلى أنَّ».
انظر لما روي عن ابن عباس: «مصنف عبد الرزاق» (٤١٨٧) و «مصنف ابن أبي شيبة» (٨٨١٧، ٣٠٧٨٤). وانظر لما روي عن ابن مسعود: «مصنف ابن أبي شيبة» (٨٨١٦، ٨٨١٩، ٨٨٢٥، ٣٠٧٧٨، ٣٠٧٨٢)، وسيذكر بعضها المؤلف بعد قليل.
(٢) في النسخ المطبوعة: «القراءة»، والصواب ما أثبت من النسخ. وانظر: «النشر» لابن الجزري (١/ ٢٠٩).
(٣) عزاه ابن قتيبة في «تأويل مشكل القرآن» (ص ٢٣٣) إلى الحسن البصري. وكذلك شيخ الإسلام في «مجموع الفتاوي» (٢٥/ ١٧٠) والمؤلف في «مدارج السالكين» (١/ ٤٥١) و «مفتاح دار السعادة» (١/ ٥٣٧). وأخرجه الآجري في «أخلاق أهل القرآن» (ص ١٠٢) والخطيب في «اقتضاء العلم العمل» (ص ١٧٥) وأبو نعيم في «الحلية» (٨/ ٩٢) من طرق عن عبد الصمد بن يزيد عن الفضيل بن عياض قوله. وقد ذكره المؤلف في «الداء والدواء» (ص ٣٥٧) غير منسوب كما هنا وعزي أيضًا إلى ابن مسعود.