للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمَّا أهل المدينة، فالتَّمر لهم يكاد أن يكون بمنزلة الحنطة لغيرهم، وهو قوتهم ومادَّتهم. وتمر العالية من أجود أصناف تمرهم، فإنَّه متين الجسم لذيذ الطَّعم صادق الحلاوة.

والتَّمر يدخل في الأدوية والأغذية والفاكهة. وهو يوافق أكثر الأبدان، مقوٍّ للحارِّ الغريزيِّ، ولا يتولَّد عنه من الفضلات الرَّديئة ما يتولَّد عن غيره من الأغذية والفاكهة؛ بل يمنع لمن اعتاده من تعفُّن الأخلاط وفسادها.

وهذا الحديث من الخطاب الذي أريد به الخاصُّ كأهل المدينة ومن جاورهم. ولا ريب أنَّ للأمكنة اختصاصًا بنفع كثيرٍ من الأدوية في ذلك المكان دون غيره، فيكون الدَّواءُ الذي ينبت (١) في هذا المكان نافعًا من الدَّاء، ولا يوجد فيه ذلك النَّفع إذا نبت في مكانٍ غيره، لتأثير نفس التُّربة أو الهواء أو هما (٢) جميعًا؛ فإنَّ في الأرض خواصَّ وطبائعَ يقارب اختلافها اختلافَ طبائع الإنسان. وكثيرٌ من النَّبات يكون في بعض البلاد غذاءً مأكولًا، وفي بعضها سَمًّا قاتلًا. وربَّ أدويةٍ لقومٍ أغذيةٌ لآخرين، وأدويةٍ لقومٍ من أمراضٍ هي أدويةٌ لآخرين في أمراضٍ سواها، وأدويةٍ لأهل بلدٍ لا تناسب غيرهم ولا تنفعهم (٣).

وأمَّا خاصِّيَّة السَّبع فإنَّها قد وقعت قدرًا وشرعًا. فخلق الله عزَّ وجلَّ


(١) ل: «نبت». ث: «ثبت». وكأن في ف: «يثبت». وفي ن: «قد ينبت» وكذا في النسخ المطبوعة.
(٢) كذا في جميع النسخ الخطية والمطبوعة. والصواب في العربية أن يقال: «أو لتأثيرهما». ولو قال: «أو كليهما» لاستقام الكلام.
(٣) انظر: كتاب الحموي (ص ١٨٧ - ١٨٨).