للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجَعَل قبلتَه إلى بيت المقدس، وجعل له ثلاثةَ أبواب: بابًا في مؤخَّره، وبابًا يقال له باب الرحمة، والباب الذي يدخل منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وجَعل عُمُدَه الجذوع، وسُقِف بالجريد، وقيل له: ألا نَسْقُفُه؟ فقال: «لا، عريش كعريش موسى» (١)، وبنى بيوتًا إلى جانبه بيوتَ الحُجَر باللَّبِن، وسَقَفها بالجذوع والجريد، فلمّا فرغ من البناء بنى بعائشة في البيت الذي بناه لها شرقيَّ المسجدِ يليه، وهو مكان حجرته اليوم، وجعل لسودة بنت زمعة بيتًا آخر.

فصل

ثم آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين المهاجرين والأنصار في دار أنس بن مالك، وكانوا تسعين رجلًا: نصفُهم من المهاجرين، ونصفهم من الأنصار؛ آخى بينهم على المواساة، ويتوارثون بعد الموت دون ذوي الأرحام إلى حين وقعة بدر، فلما أنزل الله عز وجل: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: ٧٥] ردَّ التوارثَ إلى الرَّحِم دون عقد الأخوة (٢).

وقد قيل: إنه واخى (٣) بين المهاجرين بعضهم مع بعض مواخاةً ثانيةً


(١) أخرجه عبد الرزاق (٥١٣٥) عن خالد بن معدان مرسلًا، وأخرجه ابن أبي شيبة (٣١٦٢) من مرسل الحسن. وله شواهد أخرى مرسلة وموصولة يصحُّ بمجموعها. انظر: «الصحيحة» للألباني (٦١٦).
(٢) «طبقات ابن سعد» (١/ ٢٠٤) عن الواقدي. وانظر حديث عقد المؤاخاة في دار أنس عند البخاري (٢٢٩٤) ومسلم (٢٥٢٩) من حديث أنس؛ وحديث التوارث بها ونَسْخه عند الطيالسي (٢٧٩٨) والدارقطني (٤١٢٧) من حديث ابن عباس، وعند الدارقطني (٤١٥٨) والحاكم (٤/ ٣٤٥) من حديث الزبير بن العوام.
(٣) ث، ع، النسخ المطبوعة: «آخى». والمثبت من سائر الأصول لغة فيه.